للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالسُّعداء استعملوا أمره وشرعه لحفظ صحة قلوبهم وكمالها وصلاحها، بمنزلة استعمالهم رزقه لحفظ صحة أجسامهم وصلاحها، وتيقنوا أنه كما لا بقاء للبدن ولا صحة ولا صلاح إلَّا بتناول غذائه الذي جُعل له، فكذلك لا صلاح للقلب والروح ولا فلاح ولا نعيم إلَّا بتناول غذائه الذي جُعل له.

هذا، وإن ألقيت إلى طائفة من الناس أنه لا مصلحة للمكلفين فيما أُمروا به ونُهوا عنه، ولا منفعة لهم فيه ولا خير، ولا فرق في نفس الأمر بين فعل هذا وترك هذا، ولكن أُمروا ونُهوا لمجرد الامتحان والاختبار؛ ولا فرق في نفس الأمر بين ما أُمروا به ونُهوا عنه فلم يُؤمروا بحسنٍ ولم يُنهوا عن قبيحٍ، بل ليس في نفس الأمر لا حسن ولا قبيح. ومن عجيب أمرك وأمرهم أنك أوحيت إليهم هذا فردوا به عليك وجعلوه عصمتهم في جواب أسولتك، فدفعوها كلها، وقالوا: إنما تتوجه هذه الأسولة في حق من يفعل لغرضٍ (١) أو لعلةٍ. وأمَّا من فعله بريئًا من العلل والأغراض فلا يتوجه عليه سؤال واحد من هذه الأسولة. فإن كانت هذه القاعدة حقًّا فقد اندفعت أسولتك كلها، وإن كانت باطلًا والحقُّ في خلافها فقد بطلت أسولتك أيضًا لما تقدم. فقد بطلت أسولتك على التقديرين. يوضحه:

الوجه الثالث: أن نقول لعدو الله: إمَّا أن تُسلِّم حكمة الله في خلقه وأمره وإمَّا أن تجحدها وتنكرها. فإن سلمتها وأنه سبحانه حكيمٌ في خلقك حكيمٌ في أمرك بالسجود بطلت الأسولة، وكنت معترفًا بأنك أوردتها على من تبهر (٢) حكمته العقول، ولم تجعل أحدًا من خلقه شريكًا له في ما فعل


(١) «ح»: «العلة». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «يميز». والمثبت من «م».