للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنفسك أن صرت خادمًا وقوادًا لكل فاسقٍ وفاجرٍ وخبيثٍ. فمَن هذا قدر عقله ونهاية معرفته وعلمه، ألا يستحيي من إيراد هذه الأسولة اللائقة به على من ملأت حكمته الوجود وبهرت العقول حتى صارت للبصائر أظهر من نور الشمس للأبصار؟ يوضحه:

الوجه الخامس: أن غاية معقولك وحاصل عقلك هو القياس الذي عارضت به النصَّ وقدَّمته عليه، وقد بان فساده للعقلاء من أكثر من ثلاثين وجهًا قد تقدم ذكرها (١)، فلا حاجة إلى إعادتها. فإذا كان هذا شأن أقوى أسولتك التي أوردتها على ربِّك، وسائر أسولتك مبنية عليه ومردودة إليه، فما الظن بفروعٍ هذا أصلها؟

فمن نادى على مقدار عقله ومحصول معرفته على رؤوس الملأ من الملائكة بقوله: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: ١١] واستجاز معارضة الأمر المتضمن لغاية الحكمة والمصلحة بهذا الرأي الفاسد والسفه البارد، كيف يتوجه له سؤال على الحكيم العليم؟

الوجه السادس: أن هذه الأسولة يرجع حاصلها كلها إلى القدح والطعن في علم الربِّ سبحانه أو حكمته أو قدرته أو اثنين منها أو كلها؛ إذ حاصلها أنه سبحانه إمَّا أن يكون عالمًا بما يحصل مني وما يكون من أمري أو لا يكون عالمًا، فإن لم يكن عالمًا لزم القدح في علمه. وإن كان عالمًا فإمَّا أن يكون قادرًا على منعي (٢) من هذا الفساد والضرر الواقع ببني آدم مني أو لا يكون قادرًا. فإن لم يكن قادرًا لزم القدح في قدرته. وإن كان قادرًا ولم


(١) تقدم (ص ٦٣٦ - ٦٤١).
(٢) «ح»: «منع».