للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميع أهل الأرض، فإنه يتضمن اعتراض الجاهل على أحذق الناس بصناعة قد أحكم آلاتها وأسبابها وقدَّرها على أكمل الوجوه وأحسنها، وأوفقها لما يقصد منها، فجاء رجلٌ جاهلٌ لا مناسبة بينه وبين ذلك الحاذق بوجهٍ ما، فأخذ يعترض عليه في أجزاء تلك الصناعة وآلاتها وأشكالها ومقاديرها، ويقول: [ق ١٣٥ أ] هلَّا كان هذا أكبر ممَّا هو أو (١) أصغر أو على شكل آخر، أو كان كذا في موضع كذا، أو عمل هذا في وقت كذا، ونحو هذا ممَّا يسخر منه العقلاء، ويعدون صاحبه في زمرة السفهاء! مع أنه يمكن المعترض مشاركة ذلك الأستاذ الحاذق في صناعته ومساواته فيها وتقدمه عليه فيها، فإذا كان اعتراضه عليه مدفوعًا عند كل عاقلٍ فما الظن بالاعتراض على من لا شريك له في حكمته ولا شبيه له فيها، والتفاوت الذي بينه وبين المعترض في حكمته كالتفاوت الذي بينه وبينه في العلم والقدرة والغنى وسائر الصِّفات؟! أفلا يستحي من يرى الاعتراض على مخلوقٍ مثله قد فاقه في صناعةٍ وعلمٍ قبيحًا لا يجد عليه إلَّا تعريضه نفسه للذمِّ ومبادلته عليها بالجهل من إيراد مثل هذه الأسولة على الحكيم العليم؟!

الوجه الثامن: أن يقال لعدو الله: إيرادك هذه الأسولة إمَّا أن تكون على وجه الظنِّ في الربِّ تعالى، وأنه فعل ما لا ينبغي له فعله، أو على وجه الاسترشاد وطلب الهداية. فإن كان على وجه الطعن والقدح، فكيف تجامع اعترافك بربوبيته وملكه وخلقه، وإقرارك بعزته وحكمته، ثم تقدح فيه، وإن كان على وجه الاسترشاد وطلب الحكمة، فذلك فرعٌ عن (٢) التسليم لأمره


(١) «ح»: «و».
(٢) «ح»: «على».