للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلَّغها عن ربها، ولو فعلت (١) ذلك لما كانت مؤمنةً بنبيها؛ بل انقادت وسلَّمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وإيمانها واستسلامها على معرفته، ولا جعلت (٢) طلبه من شأنها. وكان رسولها أعظم في صدورها من سؤالها عن ذلك، كما في الإنجيل: «يا بني إسرائيل لا تقولوا: لِمَ أمر ربنا، ولكن قولوا بِمَ أمر ربنا».

ولهذا كانت هذه الأُمة ـ التي هي أكمل الأمم عقولًا ومعارف وعلومًا ـ لا تسأل نبيها: لِمَ أمر الله بذلك؟ ولِمَ نهى عن كذا؟ ولِمَ قدَّر كذا؟ ولِمَ فعل كذا؛ لعلمهم أن ذلك مضادٌّ للإيمان والاستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلَّا على درجة التسليم. وذلك يوجب تعظيم الربِّ تعالى وأمره ونهيه، فلا يتم الإيمان إلَّا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلَّا بتعظيم أمره ونهيه؛ فعلى قدر تعظيم العبد لله سبحانه يكون تعظيمه لأمره ونهيه. وتعظيم الأمر دليلٌ على تعظيم الآمر، وأول مراتب تعظيم الأمر: التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به القواطع والموانع (٣)، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورًا به، بحيث [لا] (٤) يتوقف الإنسان على معرفة حكمته فإن ظهرت له فعله


(١) «ح»: «بلغت».
(٢) «ح»: «فعلت».
(٣) أخرج مسلم (١١٨) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم ... ».
(٤) سقط من «ح»، وأثبته ليستقيم السياق.