للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلَّا عطله، فهذا من عدم عظمته في صدره. بل يُسلِّم (١) لأمر الله وحكمته ممتثلًا ما أمر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر. فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر أو فقهها العقل كانت زيادةً في البصيرة والرغبة (٢) في الامتثال، وإن لم تظهر له حكمته لم يُوهن ذلك انقياده، ولم يقدح في امتثاله. فالمُعظِّم لأمر الله يُجري [ق ١٣٥ ب] الأوامر والنواهي على [ما] (٣) جاءت، لا يُعللها بعللٍ توهنها وتخدش في وجه حسنها، فضلًا عن أن يُعارضها بعللٍ تقتضي خلافها، فهذا حال ورثة إبليس، والتسليم والانقياد والقبول حال ورثة الأنبياء.

الوجه الحادي عشر: أن المعترضين على الربِّ سبحانه قسمان: قسمٌ اعترضوا عليه في أمره ونهيه، وقسمٌ اعترضوا عليه في قضائه وقدره. وربما اجتمع النوعان في حقِّ المعترض، وقد ينفرد أحدهما. وإبليس ممَّن جمع النوعين، فاعترض أولًا عليه في أمره له بالسجود لآدم، وزعم أنه مخالفٌ للحكمة، وأن الحكمة إنما تقتضي خضوع المفضول للفاضل لا ضد ذلك، وزعم أنه أفضل وخير من آدم، ثم اعترض بعد ذلك على القضاء والقدر بهذه الأسولة، فجمع بين الاعتراض على أمره وقدره. وبثَّ هذين النوعين في أصحابه وتلامذته، وأخرجها لهم في كل قالبٍ وصورة يقبلونهما فيها، وآخر ذلك أوحى إليهم أن يعترضوا على خبره (٤) عن نفسه وخبر رسله عنه بالعقل.


(١) «ح»: «مسلم». والمثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «الدعية». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) سقط من «ح».
(٤) «ح»: «جزو». ولعل المثبت هو الصواب.