للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعارض عدو الله أمره بأنه خلاف الحكمة، وقدره بأنه خلاف العدل، وخبره بأنه خلاف العقل. وسرت هذه المعارضات الثلاث في أتباعه، فهم خلفاؤه ونوابه، وهم (١) على قدر أنصبائهم (٢) منها. ومعلومٌ أن هذه الأنواع الثلاثة مضادة له ومجاهرة بالعداوة، ومن التلبيس إخراج المعترض لها في صورة العلم والحب والمعرفة بألفاظ مزخرفة تغرُّ السامع، وتصغى إليها أفئدة أشباه الأنعام، وتنفعل عنها قلوبهم بالرضا بها، وألسنتهم بالتكلم بها، وجوارحهم بالعمل بمقتضاها.

الوجه الثاني عشر: أن أعداءه المشركين اعترضوا على أمره وشرعه بقضائه وقدره، فجعلهم سبحانه بذلك كاذبين جاهلين مشركين. وهذه الأسولة الإبليسية تتضمن الاعتراض على قضائه وقدره بحكمته، وأن الحكمة تعارض ما قضاه وقدره، كما أن اعتراض المشركين يتضمن أن القضاء والقدر يعارض ما شرعه وأمر به. وهذه المعارضات كلها من مشكاةٍ واحدةٍ، فإذا كان الاعتراض على دينه وشرعه بقضائه وقدره باطلًا، فكذلك الاعتراض على قضائه وقدره بحكمته. يوضحه:

الوجه الثالث عشر: أن الأمر والقدر تفصيل للحكمة ومظهرها، فإنها خفية فلا بد لظهورها من شرع يأمر به وقدر يقضيه ويكونه (٣)، فتظهر حكمته سبحانه في هذا وهذا، فكيف يكون تفصيل الشيء وما يظهره مناقضًا له منافيًا؟ بل يمتنع أن يكون إلَّا مصدقًا موافقًا، فإن التفصيل متى ناقض


(١) «ح»: «فهما». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «أنصابهم». والأنصباء جمع نصيب، وهو الحظ.
(٣) «ح»: «وتكوينه».