للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلوعها أعظم من أن تخفى أو تحصى.

ولكن تأمَّل الحكمة في غروبها فلولا غروبها لم يكن للحيوان هدوء ولا قرار، مع شدة حاجتهم إلى الهدوء والراحة لأبدانهم (١) وإجمام حواسهم. وأيضًا لو دامت على الأرض لاشتد حَمْوُها (٢) بدوام طلوعها عليها فأحرق كل ما عليها من حيوان ونبات. فاقتضت حكمة الخلاق العليم والعزيز الحكيم أن جعلها تطلع عليهم في وقتٍ وتغيب في وقتٍ بمنزلة سراج يرفع لأهل الدار مليًّا ليقضوا مآربهم، ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويهدؤوا، وصار ضياء النهار وحرارته وظلام الليل وبرده على تضادهما وما فيهما متظاهرين متعاونين على ما فيه صلاح العالم وقوامه ومنافع أهله (٣).

ثم اقتضت حكمته أن جعل للشمس ارتفاعًا وانحطاطًا لإقامة هذه الفصول (٤) الأربعة من السنة، وما فيها من قيام الحيوان والنبات، ففي زمن الشتاء تَغُورالحرارة في الشجر والنبات، فيتولد فيها مواد الثمار (٥)، ويغلظ الهواء بسبب البرد، فيصير مادة للسحاب، فيرسل العزيز الحكيم الريح المثيرة فتثيره قَزَعًا (٦)، ثم يُرسل عليه الريح المؤلِّفة، فتؤلِّف بينه حتى يصير طبقًا واحدًا. ثم يُرسل عليه الريح اللاقحة التي فيها مادة الماء، فتلقحه كما


(١) «ح»: «الراحة أبدانهم». وفي «م»: «والراحة». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «م»: «حرها».
(٣) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (٢/ ٥٩٠ - ٥٩٢).
(٤) «ح»: «الأزمنة». والمثبت من «م».
(٥) «م»: «النار».
(٦) «ح»: «فيثيره فزعًا». والمثبت من «م». والقَزَع: قطع من السحاب رقيقة، الواحدة قزعة. «الصحاح» (٣/ ١٢٦٥).