للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من إطلاق تلك التنزيهَ والتوحيد؟ وهلَّا قلتَ: أثبتُّ له رحمةً (١) ومحبةً وغضبًا ورضًى وضحكًا ليس من جنس صفات المخلوقين.

فإن قلتَ: هذا لا يُعقل.

قيل لك: فكيف عقلتَ سمعًا وبصرًا وحياةً وإرادةً ومشيئةً ليست من جنس صفات المخلوقين؟!

فإن قلتَ: أنا أفرِّق بين ما يُتأوَّل وبين (٢) ما لا يُتأوَّل بأن (٣) ما دلَّ العقل على ثبوته يمتنع تأويلُه، كالعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر. وما لا يدل عليه العقلُ يجب أو يسوغ تأويله، كالوجه واليد والضحك والفرح والغضب والرضى، فإن الفعل (٤) المحكَم دلَّ على قدرة الفاعل، وإحكامه دلَّ على علمه، والتخصيص دلَّ على الإرادة، فيمتنع مخالفة ما دلَّ عليه صريح العقل.

قيل لك أولًا: وكذلك الإنعام والإحسان وكشْف الضر وتفريج الكربات دلَّ على الرحمة، كدلالة التخصيص على الإرادة سواء. والتخصيصُ بالكرامة والاصطفاءُ والاجتباءُ دالٌّ على المحبة كدلالة ما ذكرتَ على الإرادة، والإهانةُ والطردُ والإبعادُ والحرمانُ دالٌّ على المقت والبغض كدلالة ضده على الحب والرضى، والعقوبةُ والبطشُ والانتقامُ (٥) دالٌّ على الغضب كدلالة ضدِّه على الرضى.


(١) «ح»: «وجه».
(٢) «بين» ليس في «ب».
(٣) «ب»: «فإن».
(٤) «ب»: «العقل».
(٥) «ح»: «والإسقام».