للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَّن فِي اِلسَّمَاءِ اَن يَخْسِفَ بِكُمُ اُلْأَرْضَ} [الملك: ١٧]، إلى غير ذلك من الآيات التي إنْ سُلِّط التأويل عليها عاد الشرعُ كله مؤولًا (١). وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابهًا؛ لأن الشرائع كلها مبنيةٌ على أن الله في السماء، وأن (٢) منه تنزل الملائكةُ بالوحي إلى النبيين، وأن مِن السماء نزلت الكتبُ، وإليها كان الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قُرِّب من سدرة المنتهى. وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت (٣) جميع الشرائع على ذلك.

والشبهة التي قادت نُفاةَ الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثباتَ الجهة يوجب إثباتَ المكان، وإثباتَ المكان يوجب إثباتَ الجسمية.

ونحن نقول: إن إثبات هذا كله غير لازمٍ؛ فإن الجهة غير المكان، وذلك أن الجهة هي إمَّا سُطوح الجسم نفسه المحيطة به وهي ستة. وبهذا تقول: إن للحيوان فوق وأسفل ويمينًا وشمالًا وأمامَ وخلفَ. وإمَّا سُطوح جسمٍ آخر يحيط بالجسم ذي الجهات الست، فأمَّا الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلًا، وأمَّا سطوح الأجسام المحيطة به (٤) فهي له مكان، مثل سطوح الهواء المحيط بالإنسان، وسطوح الفلك المحيط بسطوح الهواء هي أيضًا مكان (٥) للهواء، وهكذا الأفلاك بعضها


(١) «ح»: «متأولا».
(٢) «أن» ليس في «ح».
(٣) «ح»: «ارتفعت». وهو تحريف ظاهر.
(٤) «به» ليس في «ح».
(٥) «ح»: «فكان».