للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره منهم - رضي الله عنهم - رجوعهم إلى نصٍّ عامٍّ، أو إلى أصل إباحة متقدِّمة، أو إلى نوعٍ من هذا يرجع إلى أصل. ولا يجوز أن يظن أحدٌ أن اجتهاد أحدٍ منهم هو أن يُشَرِّع شريعة باجتهادٍ ما، أو يَختَرِع حُكمًا لا أصل له، حاشاهم من ذلك.

فلمَّا وليَ عمر - رضي الله عنه - فُتحت الأمصار، وتفرَّقت الصحابة في الأقطار، فكانت الحكومة تنزل بمكة أو بغيرها من البلاد، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها نصٌّ حُكِمَ به، وإلَّا اجتهدوا في ذلك، وقد يكون في تلك القضية نصٌّ موجودٌ عند صاحبٍ آخر في بلدٍ آخر.

وقد حضر المدني ما لم يحضر المصري، وحضر المصري ما لم يحضر الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضر البصري، والبصري ما لم يحضر الكوفي، والكوفي ما لم يحضر البصري، والمدني ما لم يحضر الكوفي والبصري، كل هذا موجودٌ في الآثار، وتقتضيه الحالة التي ذَكَرْنا من مَغِيب بعضهم عن مجلسه (١) في بعض الأوقات، وحضور غيره، ثم مغيب (٢) الذي حضر وحضور الذي غاب، فيدري كل واحدٍ منهم ما حضره، ويفوته ما غاب عنه، هذا أمرٌ مُشاهَدٌ.

وقد كان عِلْمُ التيمم عند عمار وغيره، وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا: «لا يتيمم الجُنُب، ولو لم يجد الماء شهرين» (٣).


(١) «ح»: «محله».
(٢) في النسختين: «يغيب». والمثبت من «الجمع بين الصحيحين».
(٣) أخرجه البخاري (٣٤٧) ومسلم (٣٦٨). وذِكْرُ الشهرين ورد في رواية أحمد (١٩٣٩٥) وأبي داود (٣٢٢) والنسائي (٣١٦) وابن حبان (١٣٠٥).