للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البَتِّيِّ وسَوَّار (١) بالبصرة، والأوزاعي بالشام، والليث بمصر، فجَرَوْا على تلك الطريقة من أَخْذ كل واحدٍ منهم عن التابعين من أهل بلده وتابعيهم (٢) عن الصحابة فيما كان عندهم، وفي اجتهادهم فيما ليس عندهم، وهو موجود عند غيرهم، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلَّا وسعها.

وكل من ذكرنا مأجورٌ على ما أصاب فيه أجرين، ومأجورٌ فيما خفي عنه ولم يبلغه أجرًا واحدًا، قال تعالى: {لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: ٢٠].

وقد يَبلُغ الرجلَ ممَّن ذكرنا نصَّان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما بضربٍ من الترجيحات، ويميل غيره إلى النصِّ الآخر ـ الذي تركه ـ بضربٍ آخر من الترجيحات، كما روى (٣) عثمان بن عفان في الجمع بين الأختين: «أحلتهما آية، وحرمتهما آية» (٤). وكما مال ابن عمر إلى تحريم نساء أهل الكتاب جملةً بقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا اُلْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢١٩] وقال: «لا أعلم شركًا أعظم من قول المرأة: إن عيسى ربها» (٥). وغلَّبَ ذلك على الإباحة المنصوصة في الآية الأخرى. ومثل هذا كثير.


(١) هو سوار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة التميمي العنبري أبو عبد الله البصري القاضي، توفي سنة ست وخمسين ومائة. ترجمته في «تهذيب التهذيب» (٤/ ٢٩٦).
(٢) في النسختين: «وتابعوهم». والمثبت من «الجمع بين الصحيحين».
(٣) «ب»: «روي عن».
(٤) أخرجه مالك في «الموطأ» (١٥٢٠) والشافعي في «الأم» (٥/ ٣) وعبد الرزاق في «المصنف» (١٢٧٣٢) وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٦٥١٢) والدارقطني في «السنن» (٣/ ٢٨١) وهو في الجمع بين الأختين في ملك اليمين.
(٥) أخرجه البخاري (٥٢٨٥).