للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يقع في باب الاستفهام والنفي والمبتدأ والخبر والفاعل والمفعول. فمن ذلك أنك إذا قلت: أفعلت كذا؟ وبدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه، وكان الغرض بالاستفهام علمك بوجوده.

وإذا قلت: أنت فعلت كذا؟ فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل مَن هو؟ وكان التردُّد فيه، ففَرْق بين قولك: أكتبت الكتاب؟ وبين قولك: أأنت كتبته؟ وهذا كما أنه قائم في الاستفهام فكذلك هو في التقرير، فإذا قلت: أنت فعلت هذا؟ كان المقصود تقريره [ب ٩٧ ب] بأنه هو الفاعل، كما قال قوم إبراهيم له: {آانتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: ٦٢] فلم يكن مرادهم السؤال عن الفعل، هل وُجد أم لا، ولو أرادوا ذلك لقالوا: أكسرت أصنامنا؟ وإنما مرادهم السؤال عن الفاعل، ولهذا كان الجواب قوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]. فالقائل: أفعلت؟ سائلٌ عن الفعل مِن غير تردُّد بين الفاعل وغيره، وإذا قال: أأنت فعلت؟ كان قد ردد الفعل بينه وبين غيره، ولم يكن منه تردُّد في نفس الفعل.

ومن هذا استفهام الإنكار، كقوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ} [الإسراء: ٤٠] وقوله: {أَصْطَفَى اَلْبَنَاتِ عَلَى اَلْبَنِينَ} [الصَّافات: ١٥٣] وقوله: {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ اِلرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: ٤٤]. فهذا إذا قُدِّم الاسم فيه استحال الكلام من إنكار الفعل إلى الإنكار في الفاعل، مثل قوله: {آانتَ قُلْتَ لِلنّاسِ} [المائدة: ١١٨] {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: ٥٩] وقول أهل النَّار: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ اِلْهُدَى} [سبأ: ٣٢] فهذا سؤال عن فعلٍ وقع، فتوجَّه الإنكار إلى نسبته إلى الفاعل الذي نُسب إليه. وهذا كما إذا بلغك قول عمَّن لم تكن تظنُّه به قلت: أفلانٌ قال ذلك؟!