للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قوله تعالى: {ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ اِلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اَشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ اُلْأُنثَيَيْنِ} [الأنعام: ١٤٤] فإن الإنكار وإن تَوَجَّه إلى نفس التحريم والمراد إنكاره من أصله؛ فإنه خطاب لمن قد أَثبَتَ تحريمًا في أشياء وحِلًّا في نظائرها، فسُئل عن عين المحرَّم أهو هذا، فيشمل التحريم نظيره ممَّا حلَّله أو الآخر فيشمل نظيره أيضًا. فكأنهم قيل لهم: أخبرونا عن هذا التحريم الذي زعمتم فيمَ هو؟ أفي هذا أم في ذاك أم في الثَّالث؟ ليتبيَّن بطلان قولهم، وتظهر فِريَتُهم على الله.

وهذا كما تقول لمن يدعي أمرًا وأنت تُنكِره: متى كان هذا، أفي ليلٍ أم نهار؟! وكذلك تقول: مَن أمرك بهذا؟! أو: مَن أَذِنَ لك فيه؟! وأنت لا تريد أن آمرًا أَمَرَه به وأَذِنَ له فيه، ولكن أخرجتَ الكلام مُخرَج من كأنه قد تنزَّل (١) مع مخاطَبه إلى أن ذلك قد كان، ثم طالَبَه ببيان عينه ووقته ومكانه والآمر به؛ لكي يُضَيِّق عليه الجواب، ويُظهِرَ كَذِبَه، حيث لا يمكنه أن يُحِيل على شيءٍ ممَّا سُئل عنه فيفتضح. وكذلك إذا قلت: أتفعل كذا؟ كنت مستفهمًا له عن نفس الفعل، وإذا قلت: أأنت تفعل كذا؟ كنت مستفهمًا له عن كونه هو الفاعل.

فقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ اُلنَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] مخرجه غير مخرج قوله: {اَتَقُولُونَ عَلَى اَللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٢٧] [ب ٩٨ أ] وقوله: {أَيَحْسِبُ اُلْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: ٣] وقوله: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: ٢٨]. فأنت تجد تحت قولك: أأنت الذي تقهرني؟ أن القاهر لي غيرك لا أنت. وكذلك قوله: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ اُلنَّاسَ} [يونس: ٩٩] {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ اُلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي اِلْعُمْيَ} [الزخرف: ٣٩].


(١) «ب»: «يترك». والمثبت هو الصواب.