للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أنفسهم بذلك (١).

وقد قال ابن رشد ـ وهو من أعلم النَّاس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم ـ في كتابه «تهافت التهافت» (٢): «ومَن الذي قال في الإلهيات شيئًا يُعتدُّ به».

وهذا أفضل المتأخرين في زمانه أبو الحسن الآمدي واقف في المسائل (٣) الكبار، يذكر حُجج الطوائف، ويبقى واقفًا حائرًا، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء {وَمَن يُضْلِلِ اِللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: ٨٧].

وهذا صاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها (٤) مِن فَرْط ذكائه ومعرفته بالفلسفة والكلام ينتهي وقت الموت في هذه المسائل إلى الوقف والحَيْرة، ثم أَعرَضَ عن تلك الطُّرق، وأقبل على طريقة أهل الحديث، وأقبل على «صحيح البخاري» فمات وهو على صدره.

وحدثني شيخ الإسلام قال: حكى لي بعض الأذكياء ـ وكان قد قرأ على أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة، وهو ابن واصل الحموي ـ أنه قال له الشيخ: «أضطجعُ على فراشي وأضع الملحفة على وجهي، وأُقابل بين أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجَّح عندي شيءٌ» (٥).

ولهذا ذهب طائفة من أهل الكلام إلى القول بتكافؤ الأدلة، ومعناه أنها


(١) تقدم في مقدمة الكتاب (ص ١٦ - ١٧).
(٢) لم أقف عليه في «تهافت التهافت»، ونقله ابن تيمية في «درء التعارض» (١/ ١٦٢).
(٣) «ح»: «مسائل». والمثبت من «درء التعارض».
(٤) يقصد أبا حامد الغزالي، وقد صرَّح به ابن تيمية في «درء التعارض» (١/ ١٦٢).
(٥) «درء التعارض» (١/ ١٦٥، ٣/ ٣٦٣ - ٣٦٤).