يدين، ولا هو فوق خلقه، ولا يصعد إليه شيءٌ، ولا ينزل منه شيءٌ. فدعوى ذلك على العقل كذبٌ صريحٌ عليه، كما هي كذبٌ صريحٌ على الوحي.
وكذلك قولهم:«نُنزِّهه عن الجهة» إن أردتم أنه منزَّهٌ عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف للمظروف وحصره له، فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى، ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعنى.
وإن أردتم بالجهة أمرًا يُوجب مباينة الخالق للمخلوق، وعلوه على خلقه واستواءَه على عرشه؛ فنفيكم لهذا المعنى باطلٌ، وتسميتكم له جهة اصطلاح منكم توسلتم به إلى نفي ما دلَّ عليه العقل والنقل والفطرة.
فسمَّيتم ما فوق العالم جهةً، وقلتم: منزَّهٌ عن الجهات.
وسميتم العرش حيزًا، وقلتم: الربُّ ليس بمتحيز.
وسميتم الصِّفات أعراضًا، وقلتم: الربُّ منزَّهٌ عن قيام الأعراض به.
وسميتم حكمته غرضًا، وقلتم: إنه منزهٌ عن الأغراض.
وسمَّيتم كلامه بمشيئته، ونزوله إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء، وإرادته ومشيئته المقارنة لمراده، وإدراكه المقارن لوجود المُدرَك، وغضبه إذا عُصي، ورضاه إذا أُطيع، وفرحه إذا تاب إليه العباد، ونداءه لموسى حين أتى إلى الشجرة، ونداءه للأبوين حين أكلا من الشجرة في الجنة، ونداءه لعباده يوم القيامة، ومحبته لمن كان يبغضه في حال كفره ثم صار يحبه [ق ٦٠ أ] بعد إيمانه، وشؤون (١) ربوبيته التي هو كل يوم في شأنٍ
(١) «ح»: «وسميتم». والصواب حذف «سميتم»؛ لأنه لم يذكر المفعول الثاني لقوله: «وسميتم كلامه ... » إلى آخره، فقوله: «شؤون ربوبيته» معطوف على «كلامه». ويدل عليه ما في «م»، فإن فيها: «وربوبيته». فحذف كلمة شؤون اختصارًا.