للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها = حوادث، وقلتم: الربُّ منزهٌ عن حلول الحوادث.

وحقيقة هذا التنزيه أنه منزهٌ عن الوجود، وعن الإلهية (١)، وعن الربوبية، وعن الملك، وعن كونه فعالًا لما يريد، بل عن الحياة والقيومية. ولا يتقرر كونه ربًّا للعالمين وإلهًا للعِباد إلَّا بالتنزيه عن هذا التنزيه، والإجلال عن هذا الإجلال.

فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النُّفاة بقولهم: ليس بجسمٍ، ولا جوهرٍ، ولا مركبٍ، ولا يقوم به الأعراض، ولا يُوصف بالأبعاض، ولا يفعل الأغراض، ولا تحله الحوادث، ولا تحيط به الجهات، ولا يُقال في حقه: «أين»، وليس بمتحيزٍ، كيف كَسَوْا حقائق أسمائه وصفاته، وعلوه على خلقه واستواءَه على عرشه، وتكليمه لعباده، ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته = هذه الألفاظَ، ثم توسلوا إلى نفيها بواسطتها، وكفَّروا وضلَّلوا مَن أثبتها، واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى؟! فالله الموعد، وإليه التحاكم، وبين يديه التخاصم، و:

نَحْنُ وَإِيَّاهُمُ نَمُوتُ وَلَا ... أَفْلَحَ عِنْدَ الْحِسَابِ مَنْ نَدِمَا (٢)

***


(١) «م»: «الماهية».
(٢) لم نقف على تسمية قائله، ولعله للإمام ابن القيم نفسه، وقد أنشده في «الرسالة التبوكية» (ص ٢٢) أيضًا.