للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الكمالات البتة، وتوصف بأضدادها. وأيضًا فإن تلك الذَّات يُمكن وجودها، وهذه الذَّات يمتنع (١) وجودها.

والمقصود أنه قد دلَّ العقل مع السمع على إثبات ما يقول هؤلاء إن العقل عارضه، وغاية ما معهم أن عقولهم لم تدلَّ على إثباته، وقد بيَّنا أنه يستحيل دلالة العقل على نفيه، فإن العقل إنما يدلُّ على نفي ما علم ثبوت نقيضه بالعقل، والعقل لم يُعلم به ثبوت نقيض الصِّفات العُلى والأسماء الحُسنى، واستواء الربِّ على عرشه، وتكلمه، ورؤية أوليائه له في الآخرة عيانًا بالأبصار فوق رؤوسهم؛ حتى يكون نفي ذلك معلومًا بالعقل.

فإن قيل: نحن ما نفينا ذلك إلَّا لدلالة العقل على نفيه، فإنه لو كان فوق العرش، أو كان يُرى بالأبصار، أو كان مكلمًا متكلِّمًا، أو كان له وجهٌ ويدٌ وسمعٌ وبصرٌ؛ لزم أن يكون جسمًا، ويلزم من كونه جسمًا أن يكون مركبًا من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة. وإن قلنا بتماثل الأجسام لزم أن يكون مماثلًا لكل جسمٍ، ويلزم من كونه مركبًا أن يكون مفتقرًا إلى أجزائه، وأجزاء المركب غيره، ويلزم من افتقاره إلى غيره أن يكون مخلوقًا مصنوعًا، فهذا (٢) الدليل العقلي الذي أوجب لنا أن ننفي ما نفيناه؛ لنثبت إلهيته وربوبيته وقِدمه، وأمَّا أنتم فلمَّا أثبتم له هذه الصِّفات لزمكم نفي قِدمه ونفي ربوبيته.

قيل: هذا الدليل هو الذي خرَّب دياركم، وقلع الإيمان بشروشه (٣) من


(١) «ح»: «تمنع». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «بهذا». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «بسروسه». و الشِّرْش: أصل الشجر، وجمعها شروش. «تكملة المعاجم العربية» (٦/ ٢٨٨). فالمعنى وقلع الإيمان بأصوله.