للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرش الاستيلاء الذي هو عامٌّ في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها».

قال (١): «وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله في كل مكانٍ، فلزمهم أنه في بطن مريم والحشوش والأخلية. وهذا خلاف الدِّين، تعالى الله عن قولهم».

ثم قال (٢): «ودليلٌ آخر وهو قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اُللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: ٤٨]. فقد خَصَّت الآية البشر دون غيرهم ممَّن ليس هو من جنس البشر، ولو كانت الآية عامَّةً للبشر وغيرهم كان أبعد من الشُّبْهة وإدخال الشك على من يسمع الآية أن يقول: وما كان لأحدٍ أن يكلمه الله إلَّا وحيًا أو من وراء حجاب، فيرتفع الشك والحيرة = من أن يقول: ما كان لجنس من الأجناس أن يكلِّمه الله إلَّا وحيًا أو من وراء حجاب، ويترك أجناسًا لم يعمهم بالآية، فدل ما ذكرنا على أنه خصَّ البشر دون غيرهم».

ومقصود الأشعري بهذا الكلام أنه على قول النُّفاة لا فرق بين البشر وغيرهم، فإنه عندهم لا يحجب الله تعالى أحدًا بحجابٍ منفصلٍ عنه، بل هو محتجبٌ من جميع الخلق، بمعنى أنه لا يمكن أحدًا أن يراه، فاحتجابه عن بعضهم دون بعضٍ دليلٌ على نقيض قولهم. وذلك أن نفاة المباينة يفسرون الاحتجاب بمعنى عدم الرُّؤية، لامتناع قبول الذات لها، لا لمانعٍ منفصلٍ يمنعها من حجابٍ منفصلٍ عن المحجوب. وإذا كانت الذات غير قابلة


(١) «الإبانة» (ص ١٠٩).
(٢) «الإبانة» (ص ١١٥ - ١١٦).