للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للرُّؤية بل حجابها عدم قبولها لتعلق الرُّؤية بها كان هذا الحجاب بالنسبة إلى جميع المخلوقات واحدًا، ولم يختص به البشر دون غيره. فلمَّا أخبر أنه يكلم البشر من وراء حجاب دلَّ على أنه قد يكلم غيرهم مع رفع ذلك الحجاب، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر بن عبد الله: «إِنَّ اللهَ مَا كَلَّمَ أَحَدًا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ أَحْيَا أَبَاكَ فكَلَّمَهُ كِفَاحًا (١)» (٢). وكما في الحديث: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ وَلَا تُرْجُمَانُ» (٣). فلا يناقض هذا ما دلَّت عليه الآية، فإن هذا في الدنيا، وما دلت عليه السُّنَّة في دار الآخرة، وتكليم عبد الله بن حرام والد جابر كان بعد الموت، لم يكن في الدنيا.

قال الأشعري (٤): «دليلٌ آخر: قال الله عز وجل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اَللَّهِ مَوْلَاهُمُ اُلْحَقِّ} [الأنعام: ٦٣] وقال تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ٣١] وقال: {وَلَوْ تَرى إِذِ اِلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [السجدة: ١٢] وقال تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} [الكهف: ٤٧]».


(١) أي: مواجهةً ليس بينهما حجاب ولا رسول. «النهاية في غريب الحديث» (٤/ ١٨٥).
(٢) أخرجه الإمام أحمد (١٤٨٨١) والترمذي (٣٠١٠) وابن ماجه (١٩٠، ٢٨٠٠) وابن خزيمة في «التوحيد» (٥٩٩) وابن حبان (٧٠٢٢) والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٢٠٣) وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».
(٣) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه (ص ٣٨).
(٤) «الإبانة» (ص ١١٦ - ١١٧).