للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الذمُّ من أبي حامد للكلام وأهله ذمٌّ متوسطٌ بحسب ما اطلع عليه من غوائله وآفاته، وبحسب ما بلغه من السلف. ولم يكن جزمه بأقوال السلف وحقيقة ما جاء به الرسول كجزمه بما سلكه من طريق الكلام والفلسفة. فلذلك لم يكن في كلامه من هذا الجانب من العلم والخبرة ما فيه من الجانب الذي هو به أخبر من غيره، فإن ما ذكره من أن مضرته في إثارة الشبهات في العلم وإثارة التعصب في الإرادة إنما يُقال إذا كان الكلام في نفسه حقًّا، بأن تكون قضاياه ومقدماته صادقة، بل معلومة (١)، فإذا كان مع ذلك قد يُورث النظر فيه شبهًا وعداوة قيل فيه ذلك.

وأمَّا السلف فلم يكن ذمُّهم للكلام لمجرد (٢) ذلك، ولا (٣) لمجرد اشتماله على ألفاظ اصطلاحية إذا كانت معانيها صحيحة، ولا حرَّموا (٤) معرفة الدليل على الخالق وصفاته وأفعاله بل كانوا أعلم الناس بذلك، ولا حرَّموا نظرًا صحيحًا في دليلٍ صحيحٍ يُفضي إلى علمٍ نافعٍ، ولا مناظرة في ذلك إمَّا لهدى مسترشدٍ، وإمَّا لقطع مبطلٍ؛ بل هم أكمل الناس نظرًا واستدلالًا واعتبارًا، وهم نظروا في أصحِّ الأدلة وأقومها، فإن القوم كان نظرهم في خير الكلام وأفضله وأصدقه، وأدله على الحقِّ، وأوصله إلى المقصود بأقرب الطُّرق، وهو كلام الله.

وكانوا ينظرون في آيات الله تعالى الأفقية والنفسية، فيرون منها من الأدلة


(١) «ح»: «معلوماته». والمثبت من «درء التعارض».
(٢) «ح»: «لا المجرد». والمثبت من «درء التعارض».
(٣) «ح»: «لا». بغير واو، والمثبت من «درء التعارض».
(٤) «ح»: «صرحوا». والمثبت من «درء التعارض».