أيها المؤمنون: وإن الله جل وعلا أفاء على عبده سليمان بن داود بالنعم العظيمة والآلاء الكريمة يوم إن استجاب الله له عندما قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[ص:٣٥]، فسخر له الله جل وعلا الجن والإنس والطير، قال الله تعالى في معرض قصصه عن هذا النبي الكريم عليه السلام:{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}[النمل:١٧ - ١٩].
مّر سليمان عليه السلام في المنعة والعزة والجند الذي أعطاه الله إياه حتى أتى على وادي النمل فسمع نملة تنادي في أصحابها:{ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:١٨]، فأعجبه عليه السلام رفقها بقومها، وتأدبها مع سليمان وجنده، فرفع يديه يدعو ربه جل وعلا بثلاث دعوات:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}[النمل:١٩]، فدعا في الأولى أن يمنّ الله عليه بأن يكون قادراً على شكر ما أفاء الله عليه من النعم وعلى والديه.
ثم سأل الله جل وعلا في الثانية: أن يعينه على العمل الصالح الرشيد في قوله عليه السلام: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}[النمل:١٩]، ثم ختم تلك الدعوات الثلاث عليه الصلاة والسلام بسؤاله أن يدخله الله برحمته في عباده الصالحين، مع أنه مقرر شرعاً أن سليمان عليه السلام نبي كريم، ولا يخفى أنه لا يكون نبياً كريماً حتى يكون في المقام الأول عبداً صالحاً.