للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاقتداء بالصالحين]

الأمر السابع: من اليقينيات التي يجب أن تدرك أن من سنن الله جل وعلا أنه شرع للخلق الاقتداء بالصالحين فقال في حق سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر جملة من الأنبياء: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠].

فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بإخوانه من النبيين، وأمرنا نحن المسلمين أن نقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم، فقال ربنا جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١].

وإن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم من أعظم أمارات وقرائن ودلائل الصلاح، خرج عبد الله بن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد النبوي وكان للمسجد في ذلك الزمان أبواب غير محددة أي: غير مخصوصة للرجال أو للنساء، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو جعلنا هذا الباب -وأشار إلى باب قريب- للنساء) قالها من باب الرأي ولم يقلها من باب الأمر، قال نافع رحمه الله: فما دخل عبد الله بن عمر من هذا الباب حتى مات.

وابن عمر عمّر بعد النبي صلى الله عليه وسلم قرابة خمس وخمسين سنة ومع ذلك لم يدخل مع هذا الباب؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو تركنا هذا الباب للنساء).

ومن تأسيه رضي الله عنه بنبيه عليه الصلاة والسلام أنه كان يمسح على الركنين اليمانيين فسأله رجل: لماذا تفعل هذا؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسحهما فما تركته منذ أن رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.

فهذا عبد صالح ظهرت لنا علامة من علامات فوزه بالصلاح والتزكية النبوية أنه كان عظيم التأسي بنبينا صلى الله عليه وسلم.

وأنت أيها الأخ المبارك السنة أمامك مفتوحة، وكتب الحديث منشورة، وهديه صلى الله عليه وسلم ظاهر بين في كل الكتب جعلها العلماء بياناً للناس، فالتأسي به صلى الله عليه وسلم طريق عظيم للوصول إلى الصلاح؛ لأن الله جل وعلا سد كل طريق موصل إليه إلا طريق نبينا صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد يذكر بعض سننه عليه الصلاة والسلام: نام نبينا عليه الصلاة والسلام على الأرض، ونام على الحصير، ونام على السرير، ونام على الفراش، وركب البغل، وركب الحصان، وركب الحمار، وركب الفرس مسرجة وغير مسرجة، وأكل صلى الله عليه وسلم القثاء بالرطب، وقال: (نذهب حر هذه ببرد هذه)، وأكل صلى الله عليه وسلم البطيخ، وأكل صلى الله عليه وسلم العسل، وكان صلوات الله وسلامه عليه إذا تعجب من شيء قلب كفيه وقال: سبحان الله، وإذا مشى يتكفأ كأنما ينحدر من مكان عال، وإذا ناداه أحد من الخلف التفت صلى الله عليه وسلم ببدنه الشريف كله، وإذا أشار إلى شيء أشار بيده كلها، وإذا وضع يده لينام جعل يمناه تحت جبينه الأيمن وقال: (باسمك اللهم أحيا وأموت)، وإذا قام من الليل قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، ومسح النوم عن عينيه وتلا خواتم آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:١٩٠] حتى يختمها، ثم يعمد إلى وضوئه فيتوضأ ويستاك، ثم يقف بين يدي ربه جل وعلا يذكره ويدعوه ويهلل ويقرأ القرآن ويصلي حتى يقرب الفجر ثم يضطجع صلوات الله وسلامه عليه، ثم يصلي راتبة الفجر القبلية في بيته، ثم يضطجع قليلاً قبل أن يذهب إلى المصلى.

هذه بعض السنن التي كان عليها نبيكم صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: (أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه)، كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية إلى غير ذلك من سننه صلوات الله وسلامه عليه التي دعا إليها وجعل الاقتداء بها من عظيم المطالب وأجلّ ما يدرك به الإنسان أن يكون عبداً صالحاً.