هذا بعض ما دلت عليه السنة ومشكاة النبوة من عالم الأرواح، والغاية من إيراده كله أن تنظر أين أنت من أوامر الله ونواهيه في هذه الحياة الدنيا حتى تعرف كيف يكون قبرك، فاعرف اليوم وحاسب نفسك قبل أن تموت، فأين أنت من هدي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وأين أنت من توحيد الله؟ وأين أنت من الصلوات الخمس؟ وأين أنت من القرب من الله تبارك تعالى والبعد عنه؟ وأين عينك من النظر إلى المحرمات؟ وأين أذنك من سماعها؟ وأين قدماك من المشي إليها؟ وأين يداك من تناولها؟ كل ذلك إذا حاسب الإنسان نفسه فقد وطأ لنفسه موطئاً وثيراً برحمة الله في قبره، وإن كان غير ذلك فلا يهلك على الله جل وعلا إلا هالك.
وتبعاً لهذا الأمر أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيارة القبور، وقال عليه الصلاة والسلام يذكر العلة:(فإنها تذكركم الآخرة)، فإن القبور تستوي في ظاهرها إن كانت مبنية على منهاج السنة وتختلف في باطنها اختلافاً لا يعلمه إلا الله جل وعلا، ألا ترى أن الزناة -عياذاً بالله- كأن المحصن منهم يقول بلسان حاله: أنا أتمتع زيادة على زوجتي.
وغير المحصن كأنه يقول بلسان حاله: أنا أتمتع رغم أنني لم أتزوج بعد، والله جل وعلا أجل من أن يخدع، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث الرؤيا:(فرأيت رجالاً ونساء عراة في تنور ضيق من أدناه واسع من أعلاه، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضو، فقلت للملكين: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الزناة والزواني).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: لما كان وجودهم في الدنيا خلوة يستترون بمعصية الله كان حقهم أن يفضحون عراة في عذاب القبر.
ويتثاقل الرجل عن الصلاة ويتباطأ في القيام إليها، وربما تردد وربما تركها بالمرة عياذاً بالله، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم من يرضخ رأسه ويثلغ بالحجارة، فقال للملكين:(من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة) ورأى النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا في عذاب البرزخ يسبح في نهر من دم ويلقم الحصى والحجارة، فقال للملكين:(من هؤلاء؟ فقالا: هؤلاء أكلة الربا من أمتك).
والحديث طويل، ويمكن أن تقيس عليه كثيراً من أحوال الناس في الدنيا إن لم يدركهم الله جل وعلا برحمته.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وما مضى قبسات وإضاءات من سيرة من ختم الله به النبوات وأتم به الرسالات صلوات الله وسلامه عليه.