وقد ذكر الله جل وعلا في صدر السورة العلة فقال جل ذكره:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:١]، وهذه سنة الله في العظماء من الأنبياء، فقد قال الله جل وعلا في الخليل إبراهيم:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:٧٥] فالنبي إذا رأى الآيات عياناً، واستقرت في قلبه إيماناً كان أقدر على أن يبلغ عن الله رسالاته، وينصح له في برياته، ويتكلم عن الله وعن آياته على علم بين، وعلى المشاهدة مما أذن الله جل وعلا له بأن يطلعه عليه من الغيب، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السماوات السبع الطباق حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام بعد أن جاوز سدرة المنتهى صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله جل وعلا:(لنريه من آياتنا) من أعظم الحُجج -على قول جماهير العلماء من السلف والخلف- على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ ربه ليلة المعراج؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لو كان رأى ربه -والآية في مساق الامتنان والثناء عليه- لكان التعبير برؤية الله أعظم من التعبير برؤية آياته جل وعلا، والله جل وعلا قال وقوله الحق:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}[الإسراء:١]، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جماً غفيراً من آيات الله، فرأى الجنة، واطلع على النار، ورأى سدرة المنتهى، ورأى خلقاً كثيراً يعذبون، وآخرين ينعمون، كلٌ بحسب عمله، وكان يسأل جبريل بين الفينة والفينة، ورأى أباه آدم وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، فإذا نظر جهة اليمين ابتسم، وإذا نظر جهة الشمال بكى، فقال: من هذا يا جبريل؟ قال هذا أبوك آدم والأسودة التي عن يمينه وشماله أرواح بنيه، فإذا نظر جهة اليمين رأى أهل الجنة فابتسم، وإذا نظر جهة الشمال رأى أهل النار فبكى، فعليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
والمسجد الحرام أول بيت وضع في الأرض، وقد جعل الله جل وعلا الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والمسجد الأقصى بني بعده بأربعين عاماً، والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المسجد الأقصى:(لنعم المصلى هو، ولصلاةٌ في مسجدي هذا بأربع صلوات فيه)، رواه الحاكم بسند صحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
فهذه رحلة الإسراء على وجه الإجمال، ذكرناها لأنها أولى الوقفات في هذه السورة.