للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إلا الصوم فهو لي)]

عباد الله! إن الصوم عبادة وأي عبادة، جاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وقد اختلفت عبارات أهل العلم في تحديد معنى هذا اللفظ القدسي، وأظهرها -والعلم عند الله- أن الصوم أحد الأركان الأربعة العملية من أركان الإسلام، فالثلاثة غير الصوم وقعت لغير الله إما جهلاً وإما كرهاً وإما طوعاً، فكم من طواغيت عبر التاريخ كله أمروا الناس أن يركعوا ويسجدوا لهم ويعظموهم تعظيماً لا يليق إلا بالله، فوقع ما يشابه الصلاة لغير الله، وإن كان فاعلها لا يعد مسلماً.

وأما الزكاة فالأصل فيها أخذ المال، فوقعت لغير الله، فكم من طواغيت وسلاطين متجبرين جمعوا الأتاوات، وأخذوا الأموال طوعاً أو كرهاً أو جهلاً من الناس.

وأما الحج فالأصل فيه الطواف حول البيت العتيق، وكم من الطواغيت والسلاطين عبر التاريخ الذين أمروا الناس أن يطوفوا حول عروشهم ويعظموهم، ووقع ذلك كذلك من بعض من ينتسب إلى الإسلام ممن يطوف حول الأضرحة والمشاهد والقبور، ويظن أن أصحابها ينفعون شيئاً.

لكن التاريخ كله لم يشهد ولم يقع فيه أن أحداً صام لغير الله؛ لأنه لا يوجد أحد ممن يزعم أنه مستحق للعبادة طلب من الناس أن يعبدوه صياماً؛ لأن ذلك يكلفه أكثر مما يطيق، ولهذا يظهر والعلم عند الله أن المعنى الحقيقي لقوله: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أنه عبادة لا يمكن أن تقع لغير الله، ولهذا اختصها الله جل وعلا لنفسه، وأضافها تبارك وتعالى لذاته العلية إضافة تشريف.