والله تبارك وتعالى خلق آدم على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: والتي يمكن الاصطلاح على تسميتها بالمرحلة الترابية، ودليلها قول الله جل وعلا:{خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم:٢٠]، فقد خلقه من قبضة قبضها ربنا جل وعلا من جميع الأرض فكانت مخلطة، ولذلك يوجد في الناس السهل والحزن والأسود والأبيض وما ترونه من اختلاف الناس.
ثم مزج هذا التراب بماء حتى غدا طيناً، وهذا قول ربنا في سورة الصافات:{إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ}[الصافات:١١].
ثم ترك هذا الطين مدة حتى جف وأضحى كالصلصال بحيث لو قرعته لأحدث صوتاً، وهذا قول ربنا في سورة الرحمن:{خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:١٤] , ثم إن الله جل وعلا نفخ في هذا الجسد الذي خلقه وهو جسد آدم فنفخ فيه تبارك وتعالى من روحه، فلما نفخ فيه من روحه أمر الملائكة بأن يسجدوا سجود تكريم لآدم عليه السلام:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[ص:٧١ - ٧٢]، وقول الله جل وعلا:(فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) هذا أمر وسيأتي بيانه فيما بعد.
فسجد الملائكة لله جل وعلا، وكان من الحاضرين عند الأمر إبليس فامتنع عن السجود، قال الله جل وعلا:{إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}[الأعراف:١١]، فخاطبه ربه:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:١٢]، وزعم إبليس أن مادة النار خير من مادة الطين وهذا قياس خاطئ, فإن من النار السفه والطيش، وإن من الطين السكينة والركادة كما هو معلوم.
وفي الآية جاء الاستثناء بعد ذكر الملائكة فذهب فريق من أهل العلم إلى أن إبليس في هذه الآية وغيرها هو من الملائكة, ولا ريب أن هذا قول مرجوح.