بقي قول آخر في المهدي المنتظر، وهو قول بعض المنتسبين إلى أهل السنة، وأغلبهم من العلماء المعاصرين، فهؤلاء يقولون: إنه لا حقيقة وجودية للمهدي المنتظر، وحجتهم في ذلك أن أحاديث المهدي ليست موجودة في الصحيحين بالاسم الصريح، وإنما غالبها في السنن، أو في صحيح ابن حبان، أو في مسند أحمد، أو في غيرها من كتب السنة.
والرد على هذا من وجوه عدة: أولها: أنه لم يقل أحد من أهل العلم إن أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم الصحيحة محصورة في الصحيحين، فإن كل ما في الصحيحين صحيح، لكن يوجد الصحيح كذلك في غيرهما، في كتب السنن، أو في كتب الحديث غير الكتب الستة.
والأمر الثاني: أن جمعاً من محققي أهل العلم أثبتوا أن أحاديث المهدي المنتظر منقولة للأمة تواتراً معنوياً لا يمكن رده بأي حال من الأحوال، وممن نص على هذا من علماء العصر سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز.
بل إن أهل العلم اجتهدوا في تأليف رسائل خاصة يردون فيها على من زعم أنه لم يصح خبر في أحاديث المهدي المنتظر ومنهم العلامة الشيخ عبد المحسن العباد، فإنه ألف كتاباً رد فيه على المشككين في صحة أحاديث المهدي، وبين من خلال التحقيق العلمي الموثوق أن ستة وعشرين صحابياً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رووا أحاديث المهدي، وأن أكثر من ستة وثلاثين مصنفاً من مصنفات الأحاديث ذكرت أحاديث المهدي.
وهذا فيه رد على الحجج الواهية للعلامة ابن خلدون في كتابه الشهير: ديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر والذي ألمح فيه عفا الله عنه إلى تضعيف أحاديث المهدي المنتظر دون أن يصرح بذلك، ومعلوم أن ابن خلدون على جلالة قدره وعلمه في التاريخ ليس من فرسان الحديث، وليس له باع طويل في معرفة صحيح الأحاديث من ضعيفها.
فعلى هذا يقال بعد هذا القول المجمل كله: إن المهدي المنتظر رجل من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج قطعاً في آخر الزمان، وخروجه إحدى آيات وعلامات الساعة الكبرى، وإنه مما يكرمه الله ويخصه به أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وهو من أولي العزم من الرسل يصلي خلفه، قال عليه الصلاة والسلام:(إن منا لمن يصلي عيسى بن مريم خلفه تكرمة من الله لهذه الأمة) وهذا حديث مقطوع بصحته، فهذا مجمل ما أردنا بيانه في المهدي المنتظر.
ولكونه شخصاً مرغوباً فقد تسمى كثير من الخلفاء والسلاطين من أهل الحق ومن أهل الباطل إلى هذا العصر بلقب المهدي، كلهم يؤمل أو يتفاءل بأن يكون هو المهدي، ولعل من أشهرهم وأظهرهم المهدي العباسي، ولعل من أسوئهم وأبطرهم أحد حكام القرامطة الباطنيين، فإنه زعم أنه المهدي المنتظر، لكن ذلك فيما يظهر لم يحن بعد، وسيأذن الله جل وعلا به يوماً من الدهر كما أخبر الصادق المصدوق والنبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.