للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور تلعن الملائكة من يفعلها]

إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لتلعن المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشها فأبت فتركها زوجها أو نام عنها وهو غاضب عليها، وفي هذا حث للمؤمنات أن يتقين الله جل وعلا في الأزواج، وأن يعلمن أن من وسائل رضوان الله جل وعلا المنصوص عليها في الكتاب والسنة أن تلتمس المرأة خدمة زوجها والقيام بحقه على الوجه الأكمل، قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ لما هم بالسجود له، ومعاذ قد تأثر بأهل الشام قال: إني وجدت عامتهم يسجدون لأساقفتهم قال: (يا معاذ إن هذا لا ينبغي أن يكون إلا لله، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) فهذا بيان لحق الزوج على زوجته، وقد يكون لكثير من تأثير وسائل الإعلام المسموعة منها والمرئية تبدل وخلل في هذا الموضوع، لكن المؤمنات إنما يأخذن دينهن من كتاب الله وصحيح سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا السمع والطاعة العمياء، فإن السمع والطاعة مقيدة في طاعة الله جل وعلا، أما إن كان ذلك في معصية فإن ذلك أمر لا يجوز لا للزوج ولا لغيره، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وممن تلعنهم الملائكة: من أشار إلى أخيه بحديدة، قال صلى الله عليه وسلم: (تلعنه الملائكة حتى يضعها، وإن كان أخوه لأبيه وأمه) وهذا قطع لدابر الشيطان ولنزغاته، وكم من أخ أراد أن يداعب أخاه، أو يمازحه، أو يلعب معه بشيء من قطع السلاح بالحديد أو بالبندقية أو بغيرها فيكون وراء ذلك الشر المستطير، ولما كان صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس، وأرحم الخلق بالخلق قطع على الشيطان دابره، وقطع الأمور التي توصل إلى العداوة والشحناء والبغضاء بين المؤمنين، فأخبر أن الملائكة تلعن من أشار إلى أخيه بحديدة، وإن كان ذلك الأخ قريباً منه، أي ولو كان شقيقاً له من أبيه أو من أمه.

كما أن من الأمور التي تلعن الملائكة صاحبها ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (المدينة حرام من عير إلى ثور من أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً).

إن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتاز عن غيرها من المدن، شاء الناس أم أبوا، أدرك الناس حقيقة ذلك أم لم يدركوه؛ فإن الله جل وعلا اختارها أن تكون مهاجراً لنبيه، ولما فتح الله مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهي داره الأولى ما مكث صلى الله عليه وسلم في مكة إلا بالمقدار الذي تم فيه الفتح، ثم عاد راجعاً صلى الله عليه وسلم إلى هذه المدينة، واختار الله تربتها، وطينتها أن تكون قبراً لجسده الشريف عليه الصلاة والسلام، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال -يذكر رغبة الناس عنها-: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) فهذه المدينة بهذه المزية التي خصها الله بها، كما خص مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها، ودعا بالبركة لأهلها في كيلهم، ودعا بغير ذلك لأهلها عليه الصلاة والسلام، فكون الإنسان يحدث فيها حدثاً أو يأوي فيها محدثاً، هذا مستوجب لغضب الله ولعنته، ومستوجب للعنة الملائكة، ومستوجب لعنة الناس أجمعين، فليتق العبد المؤمن مسئولاً أو عامياً أو عالماً أو داعية أو أياً كان رجلاً أو امرأة وهو يقطن ويسكن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدث فيها نهي عنه، وإن كان الحرام حرام في المدينة وحرام في غيرها، لكنه تتأكد حرمته في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديث السابق ذكره.

وهنا نعرض بعض الأعمال التي فيها شر محض، ولا يقبل التأويل، ولا الأخذ ولا العطاء، ولا يقبل مسألة النسبة في كونه حرام في المدينة أو غيرها؛ إلا أنه في المدينة أشد حرمة: أشرطة الفيديو ذات الأفلام الخليعة، فإن بيعها والاتجار بها في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر فيه من عظيم الحرمة ما فيه، فبيعها في أي مكان حرام المساعدة ونشرها على ذلك بين البيوت التي هي جوار لمحمد صلى الله عليه وسلم أمر حرمه الله، وحرمه رسوله، وفيه من الإثم ما لا يعلمه إلا الله جل وعلا وكذلك المحلات التي تبيع ما يسمى عند العامة وعند الناس بالجراك أو بالشيشة فإن بيعها حرمه الله وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم وفق ما فهمه العلماء من صحيح الكتاب وصريح السنة، ولا ريب أن الاتجار بها في مدينة كان فيها الوحي والتنزيل وجرى في طرقاتها جبرائيل وميكائيل أمر فيه من الشناعة ما لا يخفى على كل ذي عقل حصيف.

وأنا أتكلم عن الأمور ذات الشر المحض الذي لا يقبل الرد ولا التأويل، وإلا فهناك أمور أخر لكن تدخل فيها مسألة النسبة، يعني إذا استخدم في الحرام حرام، وإذا استخدم في الحلال حلال.

بعض ما يلبسه النساء من ألبسة وفساتين لا يقبل أن تلبسها المرأة المؤمنة أبداً، وقد يقول قائل ربما تلبسها المرأة لزوجها والزوج يجوز له أن يرى كل شيء من زوجته بلباس أو بدون لباس، نقول إن هناك مما يعلمه جميع الناس يباع لا يقبل أبداً أن تلبسه المرأة في بيت زوجها، أي أن موديله إن صح التعبير أو تصميمه أو ما يباع من أجله لا يعقل أن تلبسه المرأة أما زوجها، إنما تلبسه في الأفراح، والمناسبات، وفيه من الخلاعة والمجون والدعوة إلى الفواحش ما حرمه الله ورسوله مما لا يماري فيه اثنان من العقلاء، فلا ريب أن تسويقه ونشره والتجارة وبيعه في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إثم عظيم، ولذلك فإنني أقول للأخوات نصحاً لله: إن هذه الأمور إنما يدعو فيها أقوام لا خلاق لهم يريدون أن يحيدوا بكن عن طريق الله جل وعلا، وإنها يا أختاه نفس واحدة إما جنة وإما نار، وإنني أربأ بعقلك وعقل كل مؤمنة أن تتخذ طريقاً موصلاً إلى غضب الله فلا خير في لذة من بعدها سقر، وسيأتي بيان هذا في حديثنا عن وقفة أخرى عند منازعة الإنسان لرغبته وما أمر الله جل وعلا به في هذه الدرس.

فهذا مندرج ضمن الأعمال التي تلعن الملائكة أصحابها أو القائمين بها، ونحن نبين هذا حتى يكون المؤمن على بينة من أمره، فيعلم طريق الله فيتبعه، ويعلم أي الطريق الذي يحيد بالعبد عن طريق الله جل وعلا ويجتنبه.

إن ولي نبينا صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الملائكة جبرائيل عليه الصلاة والسلام؛ فإن اليهود جاءوا إليه عليه الصلاة والسلام فقالوا: يا أبا القاسم إنا سائلوك عن أمور لا يعلمهن إلا نبي فإن أجبتنا عليها اتبعناك وإن لم تجب عليها كان الفصل بيننا وبينك، فأخذ عليه الصلاة والسلام عليهم العهود والمواثيق ما أخذه يعقوب على بنيه أن يبروه ويأخذوا بقوله إن هو أجابهم، فقالوا: له ما علامة النبي؟ قال: (تنام عينه ولا ينام قلبه) قالوا: كيف ينزع الرجل إلى أمه وأبيه؟ قال عليه الصلاة والسلام: (أما علمتم أن ماء الرجل ثخين أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيهم غلب نزع الولد إليه) فقالوا له: ما الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه؟ قال: (أما علمتم أن يعقوب -أي إسرائيل- اشتكى عرق النساء فنذر لله إن عافاه الله وشافاه أن لا يأكل من لحوم الإبل ولا يشرب من ألبانها) فقالوا له: ما الرعد؟ قال: (ملك من الملائكة بيده مخراق من نار يسوق السحاب بيديه) فقالوا: يا أبا القاسم بقيت واحدة، فإن أجبتنا إليها اتبعناك قال: (قولوا) قالوا: من وليك من الملائكة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (وليي من الملائكة جبريل، وما بعث الله نبياً إلا وهو وليه من الملائكة) فقالوا: إذاً نفارقك، ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، لو قلت أن وليك ميكال الذي ينزل بالقطر والرحمة لاتبعناك، يريدون أن يفرقون بين ملائكة الله، فأنزل الله جل وعلا قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٩٧ - ٩٨].

وتتلخص الوقفة مع الملائكة في الإيمان بهم، وتصديق ما أخبر الله ورسوله عنهم، والدعوة إلى أن يتمثل الإنسان الأعمال التي فيها مرضات لله، ويجتنب الأعمال التي فيها معصية لله والتي توجب سخط الله وغضبه.