الوقفة الخامسة: ماء المحيا تقول العرب: فكن رجلا رجله في الثرى وهمته في هام الثريا فإن إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا ماء الوجه يرتبط بحالة الإنسان النفسية، فكلما خلا الإنسان من الهم والغم، ومن غلبة الدين وضيق الهموم كان وجهه صافياً.
وقلة ذات اليد وغلبة الدين والفقر بوجه عام ليس عيباً قادحاً أبداً؛ لأنه مسألة قدرية، فالله -جل وعلا- يقول:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}[الرعد:٢٦]، وقال سبحانه:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}[الشورى:٢٧]، فلا يمكن أن يُقدح في أحد لأنه كان فقيراً أو قليل ذات اليد.
وأقصد بـ (ماء المحيا): أن الكبار من الرجال، والأفذاذ من الأحرار، والأعزاء من العباد يعلمون أن من حولهم من الأهل، والقرابة، والإخوان، والأصحاب، والخلان قد يكونون قليلي ذات اليد، ويمنعهم إباؤهم وشيمهم وعزتهم أن يسألوا الناس، فيحاول ذلك القيّم، ذلك الأخ، ذلك الأب، ذلك المربي أن يبقى محيا أخيه محفوظاً، فيعينه دون أن يخدش حياءه؛ لأنه يعلم أن الاستجداء -وهو الإلحاح في الطلب- أمر غير مقبول.