للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أشراط الساعة خروج يأجوج ومأجوج]

فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ثم في تلك الأيام يوحي الله جل وعلا إلى عيسى: أنني أخرجت عباداً ليس لأحد بهم قوة، يريد الله قبائل يأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح على نوح الصلاة والسلام، وهم في ردم بناه عليهم ذو القرنين كما قال الله جل وعلا عنه: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف:٩٦ - ٩٧]، وهم قبائل لا يحصي عددهم إلا الله جل وعلا، فيخرجون في آخر الزمان، وهم ما يزالون ساعين في أن يفتحوا ذلك الردم.

وقد دخل عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم وغيره على زينب بنت جحش قائلاً: (ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج وحلق صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه الإبهام والسبابة)، فهذا يدل على أنهم ساعون في حفره لكن الله جل وعلا كلما حفروا شيئاً منه رد الله جل وعلا ما حفروه على ما كان؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

فلما يأتي اليوم الذي يأذن الله جل وعلا لخروجهم فيخرجون، قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:٩٦ - ٩٧]، فيخرجون يعيثون في الأرض فساداً، فيفر عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور من أرض سيناء، ويمكث هؤلاء يفسدون في الأرض، فيشربون بحيرة طبرية، يشربها أولهم ولا يبقى لآخرهم شيء، ويعيثون في الأرض فساداً.

ثم إنهم لما لم يبق لأحد من أهل الأرض بهم يدان يرمون النشاب إلى السماء فيرد الله رأس الرمح أحمر فتنة لهم، فإذا رأوه أحمر قالوا: قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء.

ثم إن عيسى عليه الصلاة والسلام يدعو الله جل وعلا عليهم فيستجيب الله له، فيبعث الله جل وعلا على رقابهم دوداً يكون هلاكهم على يديه، فيموتون فرسى كأنهم نفس واحدة، فسبحان ربك الذي يحيي ويميت، ويبدي ويعيد، ولا يبقى إلا ملكه، ولا ذلة إلا بين يديه، ولا عزة إلا بطاعته.

فيموتون فرسى كموت رجل واحد، فلما ينزل عيسى والمؤمنون الذين معه يدعو الله جل وعلا عليهم كرة أخرى، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت تحملهم وتلقيهم في البحار، ثم ينزل الله جلا وعلا مطراً لا لأهل زرع ولا لأهل ضرع، وإنما ليغسل الأرض من نتنهم وزهمهم، فتصبح الأرض بيضاء نقية.

فإذا نزل عيسى والمؤمنون الذين معه لا يعبد في تلك الفترة إلا الله جل وعلا، ولا يبقى على ظهر الأرض كافر؛ لأن عيسى يخيرهم بين القتل والإيمان، فتوضع الجزية، ويكسر الصليب، ويعيش الناس كأنعم ما يعيشون على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى للعيش بعد المسيح، طوبى للعيش بعد المسيح، كل ذات حمة - أي: كل ذات بغضاء وشحناء وحقد وشر - ينزعها الله جل وعلا من قلبها).

حتى أخبر صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (أن الطفل الوليد الرضيع يضع أصبعه في فم الحية فلا تضره ولا تعضه، ويتعرض الوليد الصغير للأسد فلا يضره أبداً، ويكون الذئب بين الغنم كأنه كلبها، ويأمر الله جل وعلا الأرض أن تخرج بركتها، وأن تنبت ثمرتها، فلو أن عبداً من عباد الله غرس حبة على الصفا على صخرة ملساء لأنبت الله جل وعلا غرسها)، وكل ذلك بأمره تبارك وتعالى، فيكون الناس على هذا ما شاء الله لهم أن يكونوا.

ثم يقبض نبي الله تبارك وتعالى عيسى عليه الصلاة والسلام، ثم يقبض المؤمنون، فأرواح المؤمنين تقبض شيئاً فشيئاً، ويقل الخير في الناس، ويقبض الأخيار، ويبدأ الإسلام يوشى كما يوشى الثوب، يعني: يذهب شيئاً فشيئاً، ويسرى على القرآن في ليلة واحدة فلا تبقى على ظهر الأرض آية، ويأتي ذو السويقتين من أرض الحبشة إلى الكعبة فيهدمها ويقلعها حجراً حجراً، ويستخرج كنوزها، ويسلبها حليها ولا يبقي منها شيئاً، ولا تؤم الكعبة بعده ولا تحج، ولا يؤدى فيها عمرة ولا حجة، فتهدم الدنيا تدريجياً على هذا، حتى تخرج الدابة كما قال الله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:٨٢]، فتخطم الناس وتسمهم على خراطيمهم، فينشأ الناس بعد ذهابها فيشب الصغير ويصبح كبيراً، فإذا باع ثوباً أو اشتراه فسئل من اشتراه منه: ممن اشتريته؟ قال: اشتريته من ذلك الرجل المخطوم، أي: الذي خطمته الدابة ووسمته.