الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، ونقول كما قالت الملائكة بين يدي ربها:{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:٣٢]، ونقول كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤]، ونقول كما قال ربنا:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩].
أما بعد: فإن من أعظم نعم الله جل وعلا على عباده أن يصرفهم إلى تدبر كتابه الكريم؛ فإن كلام الله جل وعلا كلام لا يعدله كلام، قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:١٩٢ - ١٩٥].
وفي هذا اللقاء سنعرِّج معكم -أيها المباركون- على سورة الواقعة، نقف فيها مع مواعظ ما أشد أثرها، ومع لطائف يحسن أن ندونها، ومع أقوال لأهل هذا الشأن جميل أن نحفظها، وسورة الواقعة -أيها المؤمنون- سورة مكية.
قال الله جل وعلا في أولها وهو أصدق القائلين:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}[الواقعة:١ - ٣]، ثم قال جل شأنه:{إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً}[الواقعة:٤ - ٧].