للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما كان عليه نبينا محمد من خلق عظيم]

ومما يسترشد به من أخلاق النبيين وأخلاق المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ما فطرهم الله عليه من خلق قويم عظيم، فالخلق القويم مدعاة لأن يحبك الناس، وإذا أحبك الناس سهل عليك أن تصل إلى قلوبهم، وسهل عليك أن تدعوهم إلى الله، وإذا أردت أن تعرف ما الخلق العظيم فحسبك أن تنيخ مطايا فكرك، وحسبك أن تلقي عصا سفرك في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، كيف والله جل وعلا قد نعته بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤]، كيف والله جل وعلا وصفة بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، ورحم الله شوقي بقوله: زانتك بالخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء فإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا ملكت النفس قمت ببرها ولو ان ما ملكت يداك الشاء وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء وإذا بنيت فخير زوج عشرة وإذا ابتنيت فدونك الأبناء وإذا وفيت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاء أنت الذي نظم البرية دينه ماذا يقول وينظم الشعراء المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدن آلك السمحاء فنبينا صلى الله عليه وسلم جعله الله ذروة الذروة، وصفوة الصفوة صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كانت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها عائشة بنت أبي بكر ملهمة في قولها لما سئلت عن خلقه؟ قالت: أقرأت القرآن؟ قيل: نعم، قالت: كان خلقه القرآن.

فأتني بخلق قويم في القرآن لم يطبقه صلى الله عليه وسلم، وائتني بخلق نهى الله جلّ وعلا عنه كان فيه صلى الله عليه وسلم؛ بل هو عليه الصلاة والسلام المطهر من كل عيب ونقص بشري، والله جل وعلا فطره على الخلق العظيم، ونحن بإذنه جل وعلا أتباعه صلى الله عليه وسلم، والمقتفون أثره، والمتبعون هديه، فنحن أولى الناس به صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن نسترشد بهديه، يقول عليه الصلاة والسلام: (الدين المعاملة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فإن رأيت أخاً من إخوانك المؤمنين على معصية فلا تخاطبه وأنت كالشامت به، فإن الذي أضله قادر على أن يضلك، وأن الذي هداك قادر على أن يهديه، ولكن بالكلمة الطيبة، وبالابتسامة المقبولة، وبالقول السديد، إلا إن كان مجاهراً وقد نصح مرات وكرات، فهذا قد هتك ستر الله عنه أفتستر أنت عليه! ولكن إن رأيته لأول مرة وبخاصة أولئك الشباب الذين في مقتبل العمر، والحق أنه لا بد أن تؤمن وأؤمن أن للشباب شيئاً من المرح والفرح لا بد منه، والله جل وعلا ذكر أولاد يعقوب عليه السلام أنهم قالوا: يا أبانا! {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:١٢]، وهؤلاء أولاد نبي، فكيف بولدي وولدك، لكن بالأسلوب الحسن وبالكلمة الطيبة، فربما شاهد مسلسلاً أو شاهد لاعباً أو شاهد فناناً فتأثر به لأول وهلة، لكنك إن جلست معه وأبنت له خلق المعصوم صلى الله عليه وسلم فهو خير، وأنا لا أظن أبداً أن مؤمناً يقول: لا اله إلا الله، تخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيستكبر أو يستنكف، إلا من طبع في قلبه النار، فائت الناس من باب هديه صلى الله عليه وسلم، ومن باب خلقه صلى الله عليه وسلم، ومن باب صفته صلى الله عليه وسلم، فالمسبل لا تقل له: أنت في النار مباشرة، بل قل له: يا أخي! لقد بلغنا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم؛ عن قدوتي وقدوتك؛ عمن بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، عمن أفنى عمره في الدعوة إلى الله أنه كان يقول: (لباس المؤمن إلى أنصاف ساقه)، فإن لم يستجب فستبقى في قلبه، فإن لم يكن اليوم يكن بإذن الله غداً، وإن لم يكن غداً يكون بإذن الله بعد شهر، وإن لم يكن بعد شهر يكون بإذن الله بعد سنة، أقل القيل يذهب وهو يراجع حساباته، لكن إن فاجأته بالنار لأول وهلة، وتخبره أنه من أهل النار فكيف تريد منه أن يخاطبك! وكيف تريد منه أن يكلمك، سيكلمك بأفظع القول، وسيرد عليك بقول قد لا تقبله، ولا يعني هذا أن تحفظ أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم في الكتب ولا تقال للناس، معاذ الله أن نقول هذا، ولكن العلم العام شيء، والنصيحة الفردية شيء آخر.

ومن خلقه صلى الله عليه وسلم حسن معاملته لمن حوله، فلا يكون من حولك أشقى الناس بك، من أحبك لا بد أن تحبه، ومن أكرمك لابد أن تحسن إليه، وأولو الفضل يحتاجون إلى معاملة معينة، والضعفاء والفقراء من الناس تشبث بهم، فإنهم أقرب إلى الله من غيرهم إن كانوا مؤمنين، {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} [هود:٣١]، والله تبارك وتعالى يقول لنبيه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨].

فالمقصود أن الخلق القويم كان هو خلق الأنبياء والمرسلين، ولما كان الحديث عن الاسترشاد بخلقه كان حتماً ولزاماً علينا أن نسترشد بخلق النبيين، وبخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.