[ما أعده الله لعباده الصالحين]
هذه الثمانية أو التسعة الأمور اجتهدنا قدر الإمكان أن نصل إليها، فإذا تبين هذا يتساءل المؤمن: ما الذي أعده الله جل وعلا لعبده الصالح؟
و
الجواب
أعد الله جل وعلا للعبد الصالح في الآخرة جنات النعيم، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:١٢٤]، أعد الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أعد لهم رؤية وجهه الكريم وهو أعظم الهبات وأجل العطايا، أما في الدنيا فإن من تأمل القرآن والسنة وجد أن الله جل وعلا وعد عباده الصالحين بأمور منها: أولها: أن الله جل وعلا يتولاهم في الدنيا والآخرة، قال الله جل وعلا في سورة الأعراف: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:١٩٦]، وإذا تولاك الله فلن يصيبك شيء يضرك في دنياك وآخرتك إلا شيء من ورائه منفعة لك من حيث لا تدري؛ لأن ولاية الله جل وعلا سد منيع وعطايا عظيمة لا يبلغها أحد، والإنسان إذا تولاه الله تبارك وتعالى فأعظم ما يرزق التوفيق، قال صلى الله عليه وسلم عن ربه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، وقدمه التي يمشي عليها، ويده التي يبطش بها).
والمقصود من هذه الأربع التوفيق الذي يناله العبد من ربه تبارك وتعالى، وأنت ترى حولك من الناس من رزقهم الله جل وعلا الكثير من التوفيق؛ لأن الله تبارك وتعالى تولاهم بولايته.
العطية الثانية من الله: أن الله جل وعلا يجعل العبد الصالح مقبولاً محبوباً في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل فقال: يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم يقول جبريل لأهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يكتب الله جل وعلا له القبول فيحبه أهل الأرض)، وهذا من أعظم العطايا، والمؤمن الحق يألف ويؤلف، ويسمع، ويطيع، ويأخذ ويمنع، ويعيش مع الناس حياتهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيشها وهو سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه.
كما أن من عطايا الرب تبارك وتعالى لعباده الصالحين التثبيت؛ فإن الإنسان في طريقه إلى الله لن يسلم من نزغات الشيطان، يأتيك الشيطان فيشكك في الدين الذي أنت فيه، يشكك في الرب الذي تعبده، والرسول الذي أرسل إليك، والعمل الصالح الذي تفعله، والأئمة الذين تقتدي بهم.
ولا يرد ذلك إلا الاستعاذة واللجوء إلى الرب تبارك وتعالى، والله جل وعلا يقول لنبيه: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء:٧٤]، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مقلب المقلوب ثبت قلبي على دينك)، ولا يخلو إنسان من نزغات تأتيه ووساوس تعتريه ليس لها إلا الاستعاذة بالرب تبارك وتعالى، فإذا أراد لله به خيراً ثبته على الصلاح ووقاه جل وعلا شر النزغات وإثم الوساوس.
نبيكم صلى الله عليه وسلم في منقلبه من الطائف أصابه الهم؛ لأن أهل مكة منعوه وأهل الطائف ردوه فلما رجع وأصابه من الكرب والضيق ما أصابه جاءه جبريل في رسالة من الله يراد بها التثبيت، فلما جلس عليه الصلاة والسلام وقد أصابه الحزن قال له جبريل وأشار إلى شجرة بعيدة: (ادع تلك الشجرة، فناداها صلى الله عليه وسلم فتركت مكانها ووقفت بين يديه، ثم فقال له جبريل: ردها كما كانت فقال عليه الصلاة والسلام للشجرة: اذهبي إلى حيث كنت، فقامت الشجرة تمشي حتى رجعت إلى مكانها)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد أدرك أنها تثبيت من لله له في رسالته: (حسبي ما قدر رأيت).
وأنت يا أخي! قد تخرج من هذه المحاضرة فيأتيك الشيطان من قبل أو من بعد يوسوس لك، فالإنسان في مثل هذه الحالات إن كان عبداً صالحاً له عمل صالح ونية صادقة يأتيه التثبيت من الله، فإما أن يفتح المذياع فيسمع آيات يثبته الله جل وعلا بها، وإما أن يلقى أخاً مباركاً يخبره بحديث سمعه، وإما أن يفتح كتاباً فيقرأ فيه ما يثبته ويدله على صراط الله المستقيم، أو يجد أخاً يحمله إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه، ولن يعدم أمراً يثبته الله جل وعلا به إن صدقت نيته وخلصت سريرته وصلح أمره وأذعن لربه تبارك وتعالى.
مما يرزقه العبد الصالح قبل مماته: أن الملائكة تأتيه في أحرج اللحظات التي يكون فيها قريباً من الله، والإنسان تكون أيامه الأخيرة خلاصة لأيامه كلها لا يظهر فيها إلا ما كان الإنسان منكباً عليه منشرح الصدر له يريده بقلبه وجوارحه، فيوفق المؤمن لقول الشهادة أينما كان وحيثما حل.
أما إن كان -والعياذ بالله- ليس من أهل العمل الصالح ولا من أهل الطاعة فهو إلى الخذلان أقرب منه إلى التوفيق، ولا يهلك على الله إلا هالك، قال الرب تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:٣٠ - ٣٢].
هذا أيها المؤمنون ما تهيأ إيراده، ووفقنا الله جل وعلا إلى قوله، فإن وجدت فيه خيراً فاقبله، وإن وجدت فيه نقصاً فسده.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد، أنت ربنا لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا سواك، جمعتنا من غير ميعاد وأنت الرب الرحيم الرحمن في بيت من بيوتك، اللهم فارزقنا عملاً صالحاً زاكياً ترضى به عنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم إنا نسألك السريرة الصادقة، والدمعة الخالصة، والعمل الصالح، والحياة الطيبة.
اللهم إنا نسألك مرداً إليك غير مخز ولا فاضح يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إن لنا من الذنوب والخطايا ما لا يعلمه غيرك، ولا يدري عنه سواك، اللهم كما سترتها علينا في الدنيا فامحها عنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقرب إلى حبك، اللهم ارزقنا محبة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أحينا في الدنيا على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زمرته، اللهم أوردنا حوضه واسقنا من يده يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك الدرجات العلى من الجنة، اللهم إنا نسألك الدرجات العلى من الجنة، ونستجير بوجهك الأكرم وباسمك الأعظم من النار يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا يا رب العالمين، اللهم اغفر لأمهاتنا وآبائنا ومن له حق علينا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إننا نخطئ ونصيب، اللهم إنا أطعناك في أعظم ما أمرتنا به فلا إله إلا أنت، وانتهيا عن أعظم ما نهيتنا عنه، فنعوذ بك أن نشرك بك غيرك، اللهم اغفر لنا ما بين ذلك يا رب العالمين.
اللهم إننا أطعناك في أعظم ما أمرتنا به فلا إله إلا أنت، واجتنبنا أعظم ما نهيتنا عنه فنشهد أنه لا شريك لك فاغفر اللهم لنا ما بين ذلك من الذنوب.
اللهم اجعلنا أحسن مما يظنه الناس بنا، واغفر لنا ما لا يعلمه الناس عنا، وارزقنا اللهم القبول عندك لا إله إلا أنت.
اللهم اجعلنا ممن قرت أعينهم بك فتعلقت بك ولم تنقطع إلى غيرك يا رب العالمين، اللهم اقطع علائقنا مع كل أحد غيرك يا رب العالمين، اللهم لا تجعل لأحد غيرك من أعمالنا حظاً ولا نصيباً ولا ذكراً يا رب العالمين، واجعلها اللهم برحمتك خالصة لوجهك، اللهم من حضر مجلسنا هذا يريد التوبة والإنابة إليك فبلغه مراده، اللهم من حضر مجلسنا هذا يريد التوبة والانتفاع فبلغه مراده.
اللهم أصلحنا أجمعين واجعلنا من عبادك المخلصين، واغفر لنا لا إله إلا أنت أنت ربنا ومولانا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا سواك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.