إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع الخلائق خيره، ولم يسع الناس غيره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك ولك الحمد، أنت وحدك من يجبر كسرنا، ويجمع شتات أمرنا، ويثبتنا على طريق ديننا، نستغفرك ربنا ونتوب إليك، ونستعين بك ونحن نزدلف إليك بذكرك في بيت من بيوتك.
أيها المؤمنون! إن كل مجلس فيه حكمة تنشر، أو سنة تحيا، أو علم يذكر، فإنه مجلس يفد إليه العقلاء، ويؤمه الفضلاء، ولكن أعظم المجالس أثراً، وأرفعها درجة وأجلها بركة، المجلس الذي يذكر فيه الله رب العالمين جل جلاله، كما أن الله جل وعلا لا أحد مثله، فانه لا مجلس أبداً كمجلس يعظم الله فيه ويذكر جل وعلا الذكر الحسن ويثنى عليه جل وعلا بما هو أهله من المحامد.
أيها المؤمنون! لما جعل عبدة الأوثان، والعاكفون على الأصنام مع الله جل وعلا شريكاً ولم يعرفوا لربهم قدراً، كانت قلوبهم تشمئز وأنفسهم تنفر إذا ذكر الله عز وجل، قال الله جل وعلا:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:٤٥].
على هذا يتبين أننا في هذا المجلس المبارك نتفيأ ظلال آية كريمة نعت الله جل وعلا بها منكراً أحوال قوم ساووا بين الخالق والمخلوق، وجعلوا الآلهة والأصنام والأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ولا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً أنداداً مع ربهم تبارك وتعالى.
قال الله جل وعلا وقولهُ الحق:{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:٧٤]، وعلى هذا يتبين أن من علم حقيقة قدر الله جل وعلا فهو الفائز بجنات النعيم.
أيها المؤمنون! هذا الشأن العظيم، والمنزل الكريم، والمطلب الجليل، له شواهد تدل عليه، كما أن هناك قرائن تدل على من نأى وابتعد عنه، وهناك طرائق ترشد إليه وتدل عليه وهي التي بها نستفتح خطابنا هذا.