نعود فنقول: هذا في اللغة، وأما في القرآن فقد ورد الضرب على معانٍ منها: السير في الأرض، قال الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}[النساء:١٠١]، وقال:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ}[المزمل:٢٠]، وقال:{لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ}[البقرة:٢٧٣] أي: سيراً في الأرض.
ويأتي الضرب بمعنى (الإيذاء)، ويكون في القرآن على نوعين: ضرب بالسيف، كما في قوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}[الأنفال:١٢]، ويكون بالسوط أو بالشيء اليسير أو باليد، ومنه قوله تعالى في تهذيب النساء:{وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء:٣٤].
وتأتي (ضرب) في القرآن بمعنى الالتصاق واللزوم، قال الله تعالى:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}[البقرة:٦١]، وقال الله جل ذكره:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:١١].
وأما هنا:{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}[الزخرف:٥] أي: أفنعرض، والمقصود من الآية: أن القرشيين أسرفوا على أنفسهم في الذنوب وردوا كلام الله وكلام رسوله، فالله جل وعلا يقول لهم: إن إعراضكم ليس مسوغاً في أن نترك إنذاركم.
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}[الزخرف:٥]، هذه صفحة العنق، والإنسان إذا أعطى صفحة عنقه لأحد فكأنه أعرض عنه، وإعطاؤك صفحة العنق للناس يكون لأحد سببين: إما كبراً، وهو الأغلب، وإما تغافلاً، وهو الأقل، لكنه يقع، يعني: يكون الشيء موجوداً وأنت تتغافل عنه، لكن العلماء اختلفوا في معنى الذكر هنا على قولين: قال بعضهم: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}[الزخرف:٥] أي: القرآن والمواعظ والذكر، ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن الذكر هنا هو ذكر العذاب، أي: أفنترك عذابكم لكونكم كنتم قوماً مسرفين، وأياً كان المقصود، فإن المعنى من الآية إجمالاً يقارب قول الله جل وعلا:{أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:٣٦].