والله جل وعلا اقتضت حكمته أن يكون رسله بشراً، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[فصلت:٦]، وكون أنبياء الله بشراً يقتضي أموراً عدة: يقتضي أن يعتريهم ما يعتري البشر، فهم يصحون ويسقمون، ويأكلون ويشربون، قال الله جل وعلا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:٧٥ - ٨٠].
وقال الله جل وعلا عن عيسى ابن مريم:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}[المائدة:٧٥].
ومقتضى بشريتهم أيضاً أنهم يعملون ويشتغلون فيما جرت عادة البشر أن يعملوا فيه، فقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث -نوع من الثمر-، فقال لنا صلى الله عليه وسلم:(عليكم بالأسود منه؛ فانه أطيبه، فقلنا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى الغنم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وهل من نبي إلا وقد رعاها).
فجميع أنبياء الله ورسله رعوا الأغنام فهذا يقتضي ويدلل على أنهم كانوا بشراً، وكلنا يعلم أن كليم الله موسى عليه السلام عمل أجيراً عند العبد الصالح على عفة فرجه وإشباع بطنه عشر سنين، ثمانية اتفاقاً وعشراً وفاء، {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[القصص:٢٧]، فهذا مقتضى بشريته.