فكل من سبق أيها المبارك ممن ظهروا كانوا يدعون النبوة، وأما الألوهية فادعاها قليل، ادعاها النمرود، وادعاها فرعون، لكن الذين كانوا يعبدون النمرود أو يعبدون فرعون لم يعبدونه قناعة، وإنما عبدوه خوفاً؛ لأنه لا فرعون ولا النمرود معهما قرائن أو أدلة على ذلك، وأما الدجال فالله جل وعلا يعطيه قرائن، فيمر على القرية الخربة -فأي قرية الآن تسكن فيها كنوز من قديم السنين- فإذا آمنت به القرية أمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ويدعو كنوزها، فتخرج تتبعه كنوزها كيعاسب النحل، ويمر على القوم في رغد من العيش فيدعوهم فلا يتبعونه، فيتركهم ممحلين ليس معهم شيء، فهذه إحدى أموره.
ثم إنه يقول للرجل من الأعراب: أرأيت لو أحييت لك أباك أو أمك أكنت متبعني؟ فيقول: نعم، فيستعين بالشياطين فتتمثل الشياطين في صورة أبي الرجل وفي صورة أمه، ثم يقول: هذا أبوك وهذه أمك، فربما اتبعه الرجل.
ومعه ماء ونار، يقول صلى الله عليه وسلم:(فما ترونه ماء إنما هو نار تلظى، وما ترونه ناراً إنما هو ماء بارد، ثم قال صلوات الله وسلامه عليه: فمن أدرك شيئاً من هذا فليغمض عينيه ثم ليقتحم ما يراه ناراً؛ فإنه ماء بارد).
فأيها المبارك أنخ مطاياك عند قوله صلى الله عليه وسلم:(اغمض عينيك)، فالإنسان إذا أراد أن يواجه الحقائق بقوه لا يثبت، لكن ثمة أنواع من العواصف يحتاج أن نطأطئ الرأس حتى نعبر ونمر، وهذا أمر يرزقه العقلاء في كيفية التعامل مع الحوادث والفتن، فهذا نبي الأمة يوصي ويقول: فليغمض عينيه؛ لأنه لو فتح عينيه سيرى ناراً، وإذا رأى ناراً لن يستطيع أن يدخلها حتى ولو كان يملك يقيناً، لكن الحل هنا أن يغمض عينيه ولا يرى الناس فيقتحمها، فإذا اقتحمها سقي ماء بارداً.
لكن تنبه أيها المبارك! إلى قوله صلى الله عليه وسلم:(مكتوب بين عينيه كفر)، فالله جل وعلا يظهر النقص على كل مخلوق من غير استثناء، فهذا قتادة بن دعامة السدوسي رحمة الله عليه كان يحدث ذات يوم في مجلس، فصار يسرد الأحاديث، ففتن به الطلاب، فقال له أحد الطلاب: يا إمام! أراك حافظاً، قال: والله ما حفظت شيئاً أبداً وضيعته، وهذه كلمة لا تليق لا من قتادة ولا من غيره، لكن الله يظهر النقص على عباده، فقام رحمه الله من مجلسه وإذا به يضيع المكان الذي وضع فيه حذاءه، فأظهر الله جل وعلا عليه النقص في الحين الذي امتدح فيه.
فالدجال يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ومعه ماء ونار، وتتبعه الكنوز كيعاسيب النحل، ومكتوب بين عينه كفر يقرؤها كل مؤمن، وإحدى عينيه كأنها عنبه طافية، فرغم كل تلك القدرات الخارقة لا يستطيع أن يذهب الأذى الذي في عينيه، ولا أن يمسح الكتابة التي في جبهته، وهذا سر يبين الله فيه نقص هذا الرجل حتى يعرف المؤمنين أن ربهم كامل، يقول صلى الله عليه وسلم:(إن ربكم ليس بأعور)، وقال:(ما من نبي إلا وحذره قومه، وأنتم آخر الأمم وأنا آخر النبيين، وإنه خارج فيكم لا محالة).
ثم يأتي عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتل الدجال، ثم إن عيسى كذلك يعيش ما كتب الله له أن يعيش، ثم يخرج يأجوج ومأجوج، وهذا كله من أخبار الساعة، ثم بعد ذلك تمر أحداث وأحداث حتى يخرج الخلق، ويكون قيام الخلق لرب العالمين جل جلاله.