للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير الباقيات الصالحات]

الوقفة الثانية مع قول الله جل وعلا في سورة الكهف: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:٤٦].

قال صلى الله عليه وسلم: (من أمسى معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما جمعت له الدنيا بحذافيرها).

هذه الحياة فيها ضروريات وفيها زينة زائدة على الضروريات، فالضروريات وفق الشرع ثلاث: أن يكون الإنسان معافى في البدن.

وأن يملك الإنسان قوت يومه.

وأن يجد الإنسان أمناً ليعبد الله جل وعلا.

وقد جمعها نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، وما زاد عن ذلك فهو من زينة الدنيا، ولهذا قال الله جل وعلا في آية الكهف: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٤٦]، أي: ليس من الضروريات، فالإنسان يمكن أن يعيش دون أن يكون له ولد، ويمكن أن يعيش دون أن يكون له مال مدخر في البنوك ولا في المصارف ولا في البيوت، ولا في الصناديق ولا في أي شيء سواها.

لكن لا ينغص العيش إلا عدم وجود قوت اليوم، أو السقم في البدن، أو الخوف وعدم الأمن عياذاً بالله من هذه الثلاث كلها.

فلما ذكر الله جل وعلا ضروريات الحياة بعد أن أرشد إلى زينتها جملة قال جل وعلا: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:٤٦].

ثمة مدركات يجب أن ينتبه لها المسلم وهو يتأمل ويتدبر هذه الآية الكريمة.

قبل أن نشرع في هذه المدركات نبين أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الباقيات الصالحات، فمنهم من حصرها بأنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا ريب أن هذه من الباقيات الصالحات لكنها لا تستوعب الباقيات الصالحات كلها، والأصل والصواب أن يقال: كل عمل صالح أريد به وجه الله جل وعلا فهو من الباقيات الصالحات.