الكبر أيها المؤمنون أسوء الخصال، وهو أمر تفرد به الرب تبارك وتعالى، في الحديث القدسي:(الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) فالله جل وعلا له بعض الصفات، من نازعه فيها قصمه الله، ومن نأى عنها وبعد قرب من الله، ألا تري يا أخي أن السجود موضع ذلة لا يقبله أحد، ولما كان السجود موضع ذلة لا يقبله أحد لا يجوز فعله إلا للواحد الأحد، قال الله جل وعلا لنبيه {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق:١٩].
فكلما تذلل الإنسان بين يدي الله اقترب من الله، فإن لبس -عياذ بالله- رداء من الكبر فإنه يكون أبعد ما يكون عن الله مصروفاًَ عن آيات الله لا يعبأ الله جل وعلا به.
وقف الصحابي الجليل عبد الله بن عمر يبكي بعد أن خاطبه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن قال: إن هذا -وأشار إلى عبد الله بن عمرو بن العاص - أخبرني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر).
وما عصى إبليس ربه إلا عندما استقر في قلبه الكبر، {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:١٢]، فأعظم القضايا الاجتماعية، أو أعظم ما ينبغي أن يتخلص المؤمن منه، وهو يخالط إخوانه المؤمنين أن ينزع عن نفسه رداء الكبر، والإنسان لو ترك على سجيته لبقي يحب أن يعظم ويمدح ويثنى عليه، ويرى الناس حوله صغاراً، لكنه إذا ألجم نفسه بلجام التقوى، وعلم أن مرده إلى الله، {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[النحل:٤]{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:٧٨ - ٧٩].
إذا علم الإنسان أنه عبد مخلوق من لحم ودم وعصب، وأن مرده إلى الله، وستؤويه حفرة، وسيسأله الملكان، وأنه لا يملك لنفسه ضراًَ ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، وأنه لن يأخذ إلا ما أعطاه الله، ولن يتقي إلا ما وقاه الله، جفت الأقلام وطويت الصحف بذلك، فإذا عرف ذلك كله عرف قدره، وتواضع لله كما تواضع الأخيار من الأتقياء والأبرار، من الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا.