فالمقصود أن اتباع هؤلاء الأخيار حجة عليك من الله، ولا تقل: هذا الدين لا أقدر عليه، فتكاليفه شاقة، أو ما إلى ذلك من وساوس الشيطان ونزغات الأصحاب، ولكن اعلم أن الطريق قائم، والله جل وعلا يقول:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة:١٠ - ١١] ثم قال: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:١٣ - ١٤] ولم يحرم جل وعلا من كان آخراً من أن يلحق ذلك السبق ويدرك الركب وإن كان لم يبلغ مبلغهم، فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شامة في جبين الأيام وتاج في مفرق الأعوام رضي الله عنه وأرضاهم، ورزقنا حسن الاقتداء بهم.
أيها الأخ المبارك! يقول ربنا جل وعلا:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة:١٠٠] ولو سألنا أنفسنا: هل نحن من المهاجرين؟ لقلنا جمعياً لا، ولو سألنا أنفسنا: هل نحن من الأنصار؟ لقلنا جميعاً: لا، فنحن لسنا مهاجرين ولا أنصاراً؛ لأن هذا أمر قد فات ومضى، فبقي طريق واحد، وقلادة واحدة، وتاج واحد إما أن تكساه وإما أن تتركه، قال الله:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠] فبقيت هذه {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠]، فإذا أراد الله بعبد فضلاً وكرامة وعطاء جعله من المتبعين بإحسان.
جادل شيخنا الأمين الشنقيطي رحمه الله بعض الرافضة، فقال لهم: قبل أن ندخل في أي نقاش علمي أسألكم بالله: هل أنتم من المهاجرين؟ فقالوا: لا، قال: وأسألكم بالله: هل أنتم من الأنصار؟ قالوا: لا.
فلف عباءته وقام وهو يقول: وأنا أشهد عند الله أنكم لستم ممن تبعهم بإحسان.
فالمقصود من هذا أن هذه الخصلة هي التي بقيت، فالله يقول:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠] ولكي تكون ممن تبعهم بإحسان وحد الله ولا تعبد غيره ولا تشرك معه، وأحب نبيك صلى الله عليه وسلم وأصحابه جميعاً بلا استثناء، وسر على نهجهم وهديهم حتى تلقى الرب تبارك وتعالى، واصبر والزم جماعة المسلمين، فهذه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد)، فهذا هو المنهج الحق الذي ترك عليه النبي صلى الله عليه وسلم أمته.