للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ربط الأنبياء للعباد بالله تعالى]

ومما يسترشد ويستقى من خبر المرسلين وهو أمر لا ينتهي: أنهم كانوا يحاولون ويسعون في ربط العباد بربهم جل وعلا، فما بعثوا وما أرسلوا إلا ليعلقوا العباد بالله تبارك وتعالى، ويجعلوا صلتهم بالواحد الأحد الفرد الصمد تبارك اسمه وجل ثناءه.

فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ابن عمه وصاحبه وحبيبه علي بن أبي طالب ومعه زوجته زوجة علي امرأة فلذة كبد نبينا صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله على أبيها، وقد أثر الرحى في يدها، فيطلبان منه خادماً من السبي يحمل الكل أو شيء من الكل عن فاطمة رضي الله عنها، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكما على خير من خادم؟ إذا أتيتما إلى فراشكما وآويتما إلى مضاجعكما فسبحَا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم).

إن أباكما -يعني: خليل الله إبراهيم- كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق.

وفي هذا تربية للأبناء على التعلق بالله جل وعلا، فما الذي يمنعني ويمنعك وأنت المؤمن الغيور الذي لا نشك لحظة في أنك تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم: أن تمسح بيديك على رأس ابنك أو ابنتك أو غيرهما ممن لك عليهما ولاية وتقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)، ففي أول الأمر سيسألك ابنك يا أبت لما تقول لي هذا؟ فتخبره بفعل المعصوم صلى الله عليه وسلم، فيتعلق ذلك الابن الصغير بربه ويحب ذلك الابن الصغير نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنها وصية عظيمة في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الأبناء، وفي غرس الهدي النبوي الكريم في نفوس النشء، وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة.

ومن تعلقهم بالله وثقة أولئك النبيين بإحالة الأمر إلى الله جل وعلا أن نبينا صلى الله عليه وسلم في هجرته كما روى أصحاب السير كاد أن يدركه سراقة بن مالك، فغاصت قوائم فرس سراقة في الأرض، وفي تلك الحال الكئيبة والنبي صلى الله عليه وسلم خارج طريد شريد من قومه ومعه دليله يتحسس الطرق إلى المدينة في غمرة ذلك الأمر يقول صلى الله عليه وسلم لـ سراقة: (يا سراقة كيف أنت وقد لبست سواري كسرى)، فأحاله إلى الله جل وعلا، وهذا قد يندرج تحت قولنا الثقة بما عند الله جل وعلا، فيتعجب سراقة: أنت رجل طريد شريد أين أنت من كسرى وقيصر! ولو تعلمون ما كان لـ كسرى وقيصر من سلطة ومن هيبة في قلوب الناس آنذاك لاستعظمتم الأمر، ولكن عندما ذهب كسرى وقيصر هانت الآن الهيبة في القلوب؛ لأن الخبر ليس كالمعاينة.

ونبينا صلى الله عليه وسلم نفسه لما كان عنده عدي بن حاتم كان يدخل عليه الأعراب، فرجل يشتكي قطاع الطرق، ورجل يشتكي الفقر، ورجل يشتكي غير ذلك، وعدي يسمع، ويقول صلى الله عليه وسلم لـ عدي: (لا يمنعنك من الدين ما سمعت)، ثم يخبره بأن هذا الدين سيظهره الله جل وعلا، فيقول له: (والله ليتممن الله دينه حتى تخرج المرأة من الحيرة حتى تأتي مكة لا تخشى إلا الله جل وعلا، وليغيضن المال حتى لا يجد من يأخذه، ولتملكن سواري كسرى وقيصر، فيقول: يا رسول الله كسرى بن هرمز؟ -يعني: لعلك شاك، لعلك واهم- فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم كسرى بن هرمز -أي بنفسه وبعينه-)، فكان عدي بن حاتم من الذين دخلوا على كسرى في ملكه، وكان عدي ممن شاهد المرأة تأتي من الحيرة إلى مكة، ثم يقول عدي: بقيت واحدة، وهي إفاضة المال، فوالله لتأتين، وقد أورد البيهقي في السنن حديثاً بإسناد جيد: أن هذا الأمر قد تم في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمة الله تبارك وتعالى عليه.