وتلك فتن سلمنا الله جل وعلا منها، ونعوذ بالله من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، والذي يعنينا في هذا المقام أن تعلم أمراً واحداً من هذه الموقعة كلها، وهو أن الأمور تجري بقدر الله، وأن الله يقول:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد:٤]، فقد يحرم الإنسان مكاناً هو أهل له، ولكنك لا تدري أين حكمة الله وأين مراد الله، قال العلماء في مقتل الحسين: لعل الله جل وعلا أراد بمقتله بهذا الوصف أن يرفعه إلى درجة جده صلوات الله وسلامه عليه.
وأياً كان الأمر فإنك ترى في واقع الناس أنه قد ينال المال من لم يجمع، وقد يحصد الثمر من لم يزرع، ولكن المؤمن العاقل ليس له في الدنيا مطمع، يقول الله جل وعلا:{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}[الزخرف:٣٣ - ٣٥].
فالمؤمن لا ينشد شيئاً أعظم من رضوان الله تبارك وتعالى، فما أتى من الدنيا تبعاً غير مقصود فلا مانع، وأما أن يسعى الإنسان في متاع الدنيا وزخرفها فيرتكب من أجل ذلك المحرمات والسرقات والرشوة وما أشبهها ويظلم ويحقد ويحسد ليرتفع؛ فإن الدنيا كلها زهرة حائلة ونعمة زائلة، ولو كانت تنال بالعواطف لكان ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الأمر من يزيد وغيره، ولكن الأمور تجري وتمضي بقدر من الله تبارك وتعالى.
اللهم إنا نسألك قلوباً تحمدك على نعمائك، وترضى وتصبر على قدرك وقضائك، وتحن وتشتاق إلى يوم لقائك.