الأمر الثالث من الوسائل: أن يذكر الإنسان معاده، وأنه صائر إلى ربه لا محالة {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:٦] فالناس يخرجون من القبور أول الأمر مضطربين، يحوم بعضهم حول بعض لا يدرون أين يذهبون، كما قال الله:{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}[القارعة:٤] فيسمعون صوت إسرافيل يدعوهم إلى أرض المحشر، فينتظم سلكهم، قال الله جل وعلا:{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ}[القمر:٧] ولا يوجد بعث قبل هذا ولا يوجد بعث بعده، قال الله:{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه:١٠٨]، فيحشر الناس حفاة عراة أحوج ما يكونون إلى الكسوة، ويحشر الناس عطاشاً أحوج ما يكونون إلى الماء، وتدنو منهم الشمس فيكونون أحوج ما يكونون إلى الظل، والموفق من جمع الله جل وعلا له هذه الثلاث، فكساه يوم الحشر، وسقاه من حوض محمد صلى الله عليه وسلم، وأظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعها لي ولكم أجمعين.
فهذه الثلاث يتذكرها المؤمن في غدوه ورواحه، فهي من أعظم ما يعينه على تحقيق المراد، والوصول إلى الغايات العظمى؛ لأن الغاية العظمى أن يقدم الإنسان لحياته الحقيقة، فقد أخبر الله تبارك وتعالى عن أهل الضلال بأنهم يتعذر عليهم ذلك فيقول كل منهم:{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:٢٤].