كما أن من موجبات رحمة الله ما أنتم فيه تقبل الله منا ومنكم، قال صلى الله عليه وسلم:(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة، وأنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله جل وعلا فيمن عنده)، فتدارس القرآن من أعظم موجبات رحمة الرحيم الرحمن جل جلاله.
فهذه نتف من أسباب رحمة الله جل وعلا التي قال الله جل وعلا عنها جملة:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ}[الدخان:٤٢]، على أن أهل العلم من المفسرين يقولون: إن السبب إلى وقوع رحمة الله ناجم عن مرضات الله جل وعلا عن العبد، ولا يمكن أن ينال الإنسان نوالاً ولا يعطى شيئاً أعظم من حصوله على رضوان رب العزة والجلال جل جلاله.
قال الله بعدها:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الدخان:٤٢] في عرف أهل التفسير: (إنه هو العزيز الرحيم) تسمى فاصلة، والفاصلة لها أربعة أغراض: فإما أن تأتي للتمكين، فيكون ما قبلها من الآيات ممهداً لها، قال الله جل وعلا:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب:٢٥]، فقول الله جل وعلا:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:٢٥] كل ذلك ممهد، فجاءت آية أو فاصلة {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب:٢٥]، قال أهل البلاغة هنا: يراد بها التمكين.
وقد تأتي أحياناً فتسمى التصدير، وتكون مستقاة من نفس الآية، قال جل وعلا على لسان نوح:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:١٠]، وقد تأتي بالمعنى لا باللفظ كما نحن فيه:{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الدخان:٤٢] بعد قول الله جل وعلا: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ}[الدخان:٤٢]، وخاتمتها تأتي للإيغال وهي الزيادة في المعنى، فتحقق الفاصلة معنىً زائداً لم يتحقق بصدر الأولى، قال الله تبارك وتعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}[الإسراء:٨٨] إلى هنا انتهى معنى الآية، فجاء قول الله جل وعلا:{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:٨٨]، ويسمى في عرف المعنيين بعلم التفسير يسمى إيغالاً، أي أن الفاصلة زادت معنىً لم لكن موجوداً في أصل الآية.