وممن مدح النبي عليه الصلاة والسلام في عصرنا الحاضر أمير الشعراء شوقي، وكان شوقي -والحق يقال- قد أوتي فصاحة وبلاغة شعرية كتابية، أما لفظياً فإن شوقي لم ينقل عنه أبداً أنه يلقي قصائده على الناس، بل إنه كان يأمر غيره أن يقرأها على الناس، والذي أحفظه من شعره أن شوقي لم يقرأ إلا قصيدة واحدة من قصائده ارتجلها لعدم وجود القائل، أما غيرها فقد كان غيره من الناس يقرؤها، وهذا ليس له دخل في الباب إلا من باب الفائدة.
أقول: إن شوقي رحمة الله عليه رغم قدرته الشعرية إلا أنه لم يؤت باعاً علمياً، فلذلك صاحب قصيدته شيء من الخلل العقدي، وأظن أن شوقي لم يكن يفقه ما يقول من الناحية العقدية؛ أولاً: لأنه شاعر.
ثانياً: أن الحقبة التي عاش فيها شوقي -ومعلوم أنه توفي عام ١٩٣٢م- لم تكن حقبة ذات علم غزير، فإن الناس ما زال اليوم منهم من يخطئ في أمور العقيدة فضلاً عن تلك الحقبة وإن كان ذلك ليس عذراً له.
الشاهد أن مما قاله شوقي في النبي المعصوم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قوله: فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا بنيت فخير زوج عشرة وإذا ابتنيت فدونك الأبناء وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء يا أيها المسرى به شرفاً إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراء بهما سموت مطهرين كلاهما روح وريحانية وبهاء تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدتك سماء أنت الذي نظم البرية دينه ماذا يقول وينظم الشعراء المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدن آلك السمحاء والحق أنها من أجمل الشعر وأعذبه، لما تضمنته من أوصاف بليغة في حق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وقد أجاد شوقي في قوله في قصيدة أخرى: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدراً وحين مدحتك اقتدت السحابا صلوات الله وسلامه عليه بكرة وأصيلاً.