للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع هدي النبوة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، لا رب غيره ولا إله سواه، وسع الخلائق خيره ولم يسع الناس غيره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: أنه قال ذات يوم لنفسه: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتوضأ في بيته وخرج يسأل عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فكلما سأل عنه في مكان قيل له: مر من هاهنا، حتى علم أن النبي عليه الصلاة والسلام توجه إلى بئر أريس في قباء اليوم، فتبعه، فدخل صلى الله عليه وسلم حائطاً -أي: بستاناً- فتوضأ ثم جلس على قف بئر أريس وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فجلس أبو موسى الأشعري بواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجاء أبو بكر يستأذن، فأذن له وقال له: ائذن له وبشره بالجنة، فدخل أبو بكر وجلس بجوار رسولنا صلواته الله وسلامه عليه، وكشف عن ساقيه ودلاهما كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر فاستأذن فأُذن له وقيل له: بشره بالجنة، فدخل عمر فصنع ما صنع صاحباه، ثم جاء عثمان فاستأذن فأذن له وقال: بشره بالجنة على بلوى تصيبه.

فقال عثمان: الله المستعان، ثم لما أتى البئر وجد القف قد امتلأ من الجهة التي هم فيها، فقابلهما -أي: جلس في الجهة المقابلة- وكشف عن ساقيه ودلاهما كما فعل صاحباه من قبل، فصلى الله على نبيه ورضي الله عن أصحابه.

أيها الأخ الكريم! كذلك المؤمنون الأخيار يتبعون سنة وهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة يلتمسونه حياً بين أظهرهم، ونحن اليوم نلتمس حياته وسيرته وهديه فيما نقله المتقون الأبرار والصالحون الأخيار مما حوته كتب العلماء من سيرته صلوات الله وسلامه عليه.

وفي العام التاسع كان عام الوفود، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يفد إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم ممثلاً لعشيرته وقبيلته وقومه يريد أن يسمو بنفسه ويزكي قلبه ويتطهر من الذنوب بملاقاة سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وقد ذكر ابن كثير رحمه الله بسنده أن ممن قدم ذئب، فقدم حتى أتى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعوى، فقال عليه الصلاة والسلام: (هذا وافد السباع).

ونحن لا نجيء إلى بيوت الله إلا لنتلمس بعضاً من هديه صلوات الله وسلامه عليه، فكم في السنة من دلالات ضافية ومعان شامخة وعظات بالغة يفيء المؤمنون إلى فحواها ويقتبسون من سناها.

أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتساباً فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتاباً مدحت المالكين فزدت قدراً فلما مدحتك اقتدت السحابا فمن يغتر بالدنيا فإني لبست بها فأبليت الثيابا لها ضحك القيان إلى غبي ولي ضحك اللبيب إذا تغابى جنيت بروضها ورداً وشوكاً وذقت بكأسها شهداً وصاباً فلم أر مثل حكم الله حكماً ولم أر مثل باب الله باباً