فنقول مستعينين بالله: إن الله تبارك وتعالى جعل الموت والحياة متناقضين متضادين لا يجتمعان في آن واحد، فالفرد من الأحياء إما أن يكون حياً وإما أن يكون ميتاً، ولا يوجد حي يجمع بين الموت والحياة، والموت والحياة كلاهما من خلق الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك:١ - ٢]، فقد أخبر ربنا جل جلاله أن الموت خلق من خلقه، كما أن الحياة خلق من خلقه تبارك وتعالى.
والموت يقع على الأحياء، على من ركب من جسد وروح، فقد خلق تبارك وتعالى الجسد وجعل فيه الروح، فيكون الموت انفصالاً تاماً لهذه الروح وانفكاكاً عن ذلك الجسد، وتلك هي حقيقة الموت، والحديث في هذا يتضمن ما يلي: أولاً: ما هي الروح التي يعتريها الموت بانفكاكها عن ذلك الجسد؟ إن الروح أمر غيبي، وقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود أن نبينا صلى الله عليه وسلم (مر على حائط لرجل أنصاري، فقابله جماعة من يهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه، وقال بعضهم: لا تسألوه، ثم عزموا على الأمر وسألوه، فقالوا: يا أبا القاسم! ما الروح؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه يوحى إليه، فقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:٨٥]).
إذاً: فالروح أمر غيبي، وهذا الأمر لكونه غيبياً تجرأ عليه بعض الناس، وقولنا:(بعض الناس) إجمال يدخل فيه أهل العلم من جميع الطوائف، فبعض أولئك تكلموا فيه، وأبعدوا فيه النجعة، والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن الروح شيء نوراني خفيف متحرك في جسد مخلوق يسري فيه كما يسري الماء في الورد، وكما تسري النار في الفحم والهشيم، فهذا مجمل تعريف الأئمة الأعلام من أهل السنة للروح.