للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العلماء في معنى الشاهد والمشهود]

اختلف العلماء على ما هو الشاهد وما هو المشهود؟ على أقوال وكلها يؤيدها القرآن.

قال بعض العلماء: الشاهد هو النبي صلى الله عليه وسلم والمشهود عليه هذه الأمة والدليل أن الله قال: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١].

قال آخرون: لا الشاهد هو هذه الأمة والمشهود عليها الأمم كما ورد في الحديث الصحيح.

وقال آخرون: إن الشاهد هو الحجر الأسود والمشهود عليه من يلتبس الحجر، ودليلهم من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله عينان يبصران وله لسان يتكلم به يشهد لمن استلمه بصدق).

وقال آخرون: إن الشاهد هو عيسى عليه السلام والمشهود عليه أمته ودليلهم من القرآن قول الله جل وعلا في خاتمة المائدة على لسان عيسى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:١١٧].

وقال آخرون: إن الشاهد هو النجم، والمشهود الناس والدليل عندهم من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حتى يغيب الشاهد)، أي: حتى يغيب النجم.

وقال آخرون بغير هذا لكن هذا جملة ما قاله العلماء على أنه ينبغي لك أن تعلم أن أعظم الشاهدين هو الله جل جلاله قال الله جل وعلا: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء:٧٩]، وقال الله على لسان عيسى: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:١١٧]، ولقمان لما أراد أن يؤدب ابنه ويعلمه ويعظه قال: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦].

فالله جل وعلا من تكلم عنده كمن أسر، ومن ظهر كمن اختفى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وطوبى لعبد خاف الله واتقاه، وعلم أن الله هو خير الشاهدين، فما أقفل على نفسه باباً إلا وتذكر عظمة الجبار جل جلاله وأن الله جل وعلا مطلع عليه لا تخفى عليه من عباده خافية.

فجعل من عمره صلوات وذكر يتقرب بها إلى الله جل وعلا، ألا ترى إلى يونس بن متى لما ابتلاه الحوت وغاص به الحوت في قاع البحار حرك عليه السلام يديه؛ ليشعر أنه حي أو ميت فتجاوبت معه أطرافه فأسمعه الله جل وعلا تسبيح الحصى في باطن الثرى فخر ساجداً في ذلك المكان المظلم يتوسل إلى الله بهذا السجود قائلاً: اللهم إنني اتخذت لك مسجداً في مكان ما ظننت أن أحداً عبدك فيه، قال الله جل وعلا: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤]، فألهمه الله جل وعلا أن يسبح وأن يذكر الله وأن يتقيه في مكان يغلب على الظن أن الله لم يُذكر فيه، فكان ذلك سبباً في رحمة الله جل وعلا به فكل ما بوأك الله مكاناً فأرِ الله جل وعلا ما يأمله منك، وإذا رزقك الله جل وعلا نعمة مما تحب فأرِ الله جل وعلا فيها ما يحب، وقد كان بعض الصالحين إذا دعا الله يقول: اللهم واجعل ما أعطيتنا مما نحب عوناً لنا على ما تحب، وهؤلاء طبقة ربانية وأئمة مهديون.

سلك الله بي وبكم سبيلهم.