ومن أحوال المحبين ودلالات حبه صلوات الله وسلامه عليه: محبة ما يحبه، فإن الإنسان إذا أحب شيئاً أحب ما يتعلق به، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما روى البخاري من حديث أنس -دعاه خياط لطعام صنعه، فقرب إليه ثريداً ومرقاً فيه خبز من شعير ومرقاً فيه دبا، قال أنس:(فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع أثر الدباء في القصعة) ثم قال رضي الله عنه وأرضاه: فما زلت أحب الدباء منذ ذلك اليوم؛ لأني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحبها.
وفي صحيح مسلم عنه رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقول: فما قدر لي أن يصنع لي أهلي طعاماً استطعت أن أجعل معه دباء إلا فعلت، وورد عند الترمذي بسند فيه ضعف، ولكنه يجبر في فضائل الأعمال أن أنساً ًكان إذا مر على شجرة اليقطين يمسكها ويقول: يا لك من شجرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبك، فأنا أحبك لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لك.
فمن أحب شيئاً، أحب ما يتعلق به، وهذا ظاهر لكل من قرأ الأحاديث والأخبار الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم.
وأم حبيبة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قدم عليها أبوها أبو سفيان قبل أن يسلم، فلما هم بأن يجلس على الفراش طوت الفراش عنه، فقال لها أبوها متعجباً: يا بنية! والله ما أدري: أترغبين بي عنه، أم ترغبين به عني؟! فقالت له رضي الله عنها وأرضاها: إنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس، فما أحببت أن تجلس عليه.
وهذا أبو دجانة رضي الله تعالى عنه وأرضاه يحظى بسيف النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، ويختال به بين الصفوف، فلما حانت المعركة، ودنت ساعة القتال، والتحم الجيشان، وأخذ أبو دجانة يضرب بسيف رسول الله ميمنة وميسرة هم بأن يضرب به شخصاً، فولول، فعرف أنها امرأة، قال: فرفعت السيف عنها إكراماً لسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
فمحبة ما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم دين وملة وقربة.