[وقفة مع فاتحة سورة فاطر]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فسنعمد إلى آيات ثم نأخذ حديثاً حتى نجمع ما بين القرآن والسنة.
قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:١].
هذه فاتحة سورة فاطر, وقد مر في دروس مضت, أن خمس سور استفتحهن الله جل وعلا بحمده, وهي: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر.
قال الله في فاطر: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر:١] الألف واللام في قول الله جل وعلا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [فاطر:١] تعني الاستغراق, والمعنى: جميع المحامد أولها وآخرها ظاهرها وباطنها لله.
واللام الجارة نحوياً في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [فاطر:١] هي لام الاستحقاق، فيصبح معنى الآية: أن الله جل وعلا مستحق لجميع المحامد.
وهذه اللام تأتي للاستحقاق وتأتي لغير الاستحقاق, فتأتي للاختصاص وتأتي للملك.
فمثال الاختصاص: المحراب للإمام، والكرسي للمدرس.
وقول الله جل وعلا: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٥٥] اللام هنا في قوله: ((لَهُ)) هي لام الملك ومثله قوله جل وعلا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٨٤].
أما قوله: {فَاطِرِ} [فاطر:١]: فهو اسم فاعل من فطر بمعنى خلق على غير مثال سابق، أي خلق لأول مرة، ففاطر تجمع معنيين.
المعنى الأول: الخلق.
المعنى الثاني: الخلق على غير مثال سبق، أي: خلق ابتداء.
يروى عن حبر القرآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي: أنا ابتدأت حفرها, قال ابن عباس: فلم أكن أعلم أن فاطر بمعنى خلق وابتدأ إلا من هذا الأعرابي! هذا يدل على شيء مهم إذا صحت الرواية عن ابن عباس، وهو أن كلمة ((فَاطِرِ)) كانت غير ذائعة عندهم، لأن هذا حبر القرآن عربي قرشي فصيح وكان لا يعرفها، فدلت القصة على أن الكلمة لم تكن دارجة, ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن القرآن أول ما نزل بها، قيل: إن الأعرابي أخذها من القرآن، لكن أياً كان المعنى فالقصة تدل على أن كلمة ((فَاطِرِ)) ليست دارجة, وإلا لما جهلها ابن عباس.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر:١] أي: رسلاً بين الله ورسله، أي: بين أنبيائه.
{جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر:١] أي: أصحاب أجنحة.
ثم قال: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:١].
ثم قال جل ذكره: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١].
قال بعض العلماء: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١] بمعنى: الملاحة في الوجه والسعة في العينين, وهذا التقييد لا داعي له، بل إن الآية متصلة، لأن الله قال: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:١].
وهذا يسمى عند النحويين عدولاً، أي: أن (مثنى) معدولة عن اثنين اثنين.
والآية تدل على الملائكة بصورة أولية, ويؤيدها حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:١].
هذه الوقفة الأولى أخذناها من فاتحة سورة فاطر.